صفحة جزء
باب ذكر الدجال وصفته وما معه

169 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة ومحمد بن بشر قالا حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر ح وحدثنا ابن نمير واللفظ له حدثنا محمد بن بشر حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال بين ظهراني الناس فقال إن الله تعالى ليس بأعور ألا وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافئة حدثني أبو الربيع وأبو كامل قالا حدثنا حماد وهو ابن زيد عن أيوب ح وحدثنا محمد بن عباد حدثنا حاتم يعني ابن إسمعيل عن موسى بن عقبة كلاهما عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله
باب ذكر الدجال وصفته وما معه قد سبق في شرح خطبة الكتاب بيان اشتقاقه وغيره ، وسبق في كتاب الصلاة بيان تسميته المسيح واشتقاقه ، والخلاف في ضبطه . قال القاضي : هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم وغيره في قصة الدجال حجة لمذهب أهل الحق في صحة وجوده ، وأنه شخص بعينه ، ابتلى الله به عباده ، وأقدره على أشياء من مقدورات الله تعالى من إحياء الميت الذي يقتله ، ومن ظهور زهرة الدنيا ، والخصب معه ، وجنته وناره ونهريه ، واتباع كنوز الأرض له ، وأمره السماء أن تمطر فتمطر ، والأرض أن تنبت فتنبت ، فيقع كل ذلك بقدرة الله تعالى ومشيئته ، ثم يعجزه الله تعالى بعد ذلك فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره ، ويبطل أمره ، ويقتله عيسى صلى الله عليه وسلم ، ويثبت الله الذين آمنوا . هذا مذهب أهل السنة وجميع المحدثين والفقهاء والنظار ، خلافا لمن أنكره ، وأبطل أمره من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة ، وخلافا للبخاري المعتزلي وموافقيه من الجهمية وغيرهم في أنه صحيح الوجود ، ولكن الذي يدعي مخارف وخيالات لا حقائق لها ، وزعموا أنه لو كان حقا لم يوثق بمعجزات الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم . وهذا غلط من جميعهم ; لأنه لم يدع النبوة فيكون ما معه كالتصديق له ، وإنما يدعي الإلهية ، وهو في نفس دعواه مكذب لها بصورة حاله ، ووجود دلائل الحدوث فيه ، ونقص صورته ، وعجزه عن إزالة العور الذي في عينيه ، وعن إزالة الشاهد بكفره المكتوب بين عينيه . ولهذه الدلائل وغيرها لا يغتر به إلا رعاع من الناس لسد الحاجة والفاقة رغبة في سد الرمق ، أو تقية وخوفا من أذاه ; لأن فتنته عظيمة جدا تدهش العقول ، وتحير الألباب ، مع سرعة مروره في الأمر ، فلا يمكث بحيث يتأمل الضعفاء حاله ودلائل الحدوث فيه والنقص فيصدقه من صدقه في هذه الحالة ولهذا حذرت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين من فتنته ، ونبهوا على نقصه ودلائل إبطاله . وأما أهل التوفيق فلا يغترون به ، ولا يخدعون لما معه لما ذكرناه من الدلائل المكذبة له مع ما سبق لهم من العلم بحاله ، ولهذا يقول له الذي يقتله ثم يحييه : ما ازددت فيك إلا بصيرة . هذا آخر كلام القاضي رحمه الله .

[ ص: 372 ] قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تبارك وتعالى ليس بأعور ، ألا وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى ، كأن عينه عنبة طافئة ) أما ( طافئة ) فرويت بالهمز وتركه ، وكلاهما صحيح ، فالمهموزة هي التي ذهب نورها ، وغير المهموزة التي نتأت وطفت مرتفعة وفيها ضوء ، وقد سبق في كتاب الإيمان بيان هذا كله ، وبيان الجمع بين الروايتين ، وأنه جاء في رواية ( أعور العين اليمنى ) ، وفي رواية ( اليسرى ) ، وكلاهما صحيح . والعور في اللغة العيب ، وعيناه معيبتان عورا ، وأن إحداهما طافئة بالهمز لا ضوء فيها ، والأخرى طافية بلا همزة ظاهرة ناتئة .

وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى ليس بأعور ، والدجال أعور ) فبيان لعلامة بينة تدل على كذب الدجال دلالة قطعية بديهية ، يدركها كل أحد ولم يقتصر على كونه جسما أو غير ذلك من الدلائل القطعية لكون بعض العوام لا يهتدي إليها . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية