صفحة جزء
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب المقدمة باب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم

1 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا شريك عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أمرتكم به فخذوه وما نهيتكم عنه فانتهوا
[ ص: 3 ] قوله : ( باب اتباع سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الأربعة المذكورة في كتب الأصول وهي الكتاب ) يحتمل أنه أراد بالسنة ما هو أحد الأدلة والسنة وإجماع الأمة والقياس والسنة بهذا المعنى تشمل قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الأدلة التي تثبت بها الأحكام الشرعية ويجب على الناس اتباعها واتباع السنة بهذا المعنى هو الأخذ بمقتضاها في تمام الأحكام الدينية من الإباحة والوجوب والحرمة والندب والكراهة ، ويحتمل أنه أراد بالسنة الطريقة المسلوكة له ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو بالسنة ، واتباع السنة بهذا المعنى هو الأخذ بها ، والسنة بالمعنى الأول من أقسام الدليل وبالمعنى الثاني هو المدلول ، وأحاديث الباب تناسب المعنيين في الجملة وبعضها أنسب بالمعنى الأخير كالحديث الآخر فإن قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا سبيل الله أرفق بتمام الدين المتين ، ويؤيده أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ تلا قوله سبحانه جل شأنه : وأن هذا صراطي مستقيما الآية وعلى المعنيين فقد أحسن المصنف رحمه الله تعالى وأجاد حيث بدأ هذا الكتاب الموضوع لتحقيق السنن السنية بهذا الباب فإن الأخذ بها مداره على وجوب اتباع السنة السنية سواء كان المراد بالسنة ما هو أحد الأدلة الأربعة أو تمام الدين أما على الأول فظاهر وأما على الثاني فلأن الدين سواء كان ثابتا بالكتاب أو بالسنة يحتاج طالبه إلى السنة فإن الكتاب بيانه بالسنة لقوله : لتبين للناس ما نزل إليهم وليس لأحد أن يستبد بالكتاب عنها ، ولذلك تراه - صلى الله تعالى عليه وسلم - يقول : لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت [ ص: 4 ] عنه فيقول : لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ويقول : ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجل يستند على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه قال الفاضل الطيبي في شرح الحديث السابق : وفي هذا الحديث توبيخ وتقريع نشأ من تعظيم عظيم على ترك السنة والعمل بالحديث استغناء عنها بالكتاب هذا مع الكتاب فكيف بمن رجح الرأي على الحديث وإذا سمع حديثا من الأحاديث الصحيحة قال : لا علي بأن أعمل بها فإن لي مذهبا أتبعه انتهى .

وأنت تعلم أن مثل هذا السباب المكنى عنه للأغبياء والجهلة الذين لا يصلحون للاجتهاد أصلا وقطعا فهذان الحديثان ليسا في ذم المجتهد الذي يرد الحديث إذا صح عنده وحاشا أن يكون مجتهد كذلك بل في ذم المقلد إذا خالف قول إمامه الحديث فيرده ويعتذر لإمامه بأنه قد استغنى بالكتاب عن هذا الحديث وبهذا ظهر أن اتباع السنة يعم تمام الأمة ولا يختص بالمجتهد عن المقلد والله تعالى أعلم .

قوله : ( ما أمرتكم به فخذوه إلى آخره ) هذا الحديث كالتفسير لقوله تعالى وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وما في الموضعين شرطية كما ذكر السيوطي هذا الاحتمال لأن الشرطية أظهر معنى وفي الموصولة يلزم وقوع الجملة الإنشائية خبرا وهو مما اختلفوا فيه وكثير منهم على أنه لا يصح إلا بتأويل بخلاف الشرطية فإن المحققين على أن خبرها جملة الشرط لا الجزاء ثم قوله : ما أمرتكم به يعم أمر الإيجاب والندب وقوله : فخذوه أي تمسكوا به لمطلق الطلب الشامل للوجوب والندب فينطبق على القسمين وقيل : هذا مخصوص بأمر الوجوب وكذلك قوله : وما نهيتكم عنه يعم نهي تحريم وتنزيه وكذا الطلب في قوله : فانتهوا يعم القسمين ويحتمل الخصوص بنهي التحريم ، والخطاب وإن كان للحاضرين وضعا لكن الحكم يعم المغيبين اتفاقا وفي شمول الخطاب لهم قولان وعلى التقدير فإطلاقه يشمل المجتهد والمقلد .

التالي


الخدمات العلمية