صفحة جزء
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الزكاة باب فرض الزكاة

1783 حدثنا علي بن محمد حدثنا وكيع بن الجراح حدثنا زكريا بن إسحق المكي عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد مولى ابن عباس عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فقال إنك تأتي قوما أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب
[ ص: 543 ] قوله ( بعث معاذا إلى اليمن ) كأنه بعثه إليها في ربيع الأول قبل حجة الوداع وقيل في آخر سنة تسع عند منصرفه من تبوك وقيل عام الفتح سنة ثمان واختلف هل بعثه واليا أو قاضيا فجزم النسائي بالأول وابن عبد البر بالثاني واتفقوا على أنه لم يزل عليها إلى أن قدم في عهد عمر فتوجه إلى الشام فمات بها قوله ( قوما أهل كتاب ) أي اليهود فقد كثروا يومئذ في أقطار اليمن (فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ) أي فادعهم بالتدريج إلى ديننا شيئا فشيئا ولا تلجئهم إلى كله دفعة لئلا يمنعهم من دخولهم فيه ما يجدون فيه من كثرة مخالفته لدينهم فإن مثله قد يمنع من الدخول ويورث التنفر لمن أخذ قبل على دين آخر بخلاف من لم يأخذ على آخر فلا دلالة في الحديث على أن الكافر غير مكلف بالفروع كيف ولو كان ذاك مطلوبا للزم أن التكليف بالزكاة بعد الصلاة وهذا باطل بالاتفاق ثم الحديث ليس مسوقا لتفاصيل الشرائع بل لكيفية الدعوة إلى الشرائع إجمالا وأما تفاصيلها فذاك أمر مفوض إلى معرفة معاذ فترك ذكر الصوم والحج لا يضر كما لا يضر تفاصيل الصلاة والزكاة قوله ( فأعلمهم ) من الإعلام بمعنى الإخبار (خمس صلوات ) يدل على عدم وجوب الوتر كما عليه الجمهور والصاحبان من علماؤنا الحنفية (تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم ) يدل على وجوب الزكاة إلى فقراء من أخذت منهم وأنه لا يجوز إخراجها إلى غيرهم إلا لضرورة كعدم فقير فيهم إلا أن يجعل الضمير للمسلمين مطلقا أي تؤخذ من أغنياء المسلمين وترد إلى فقرائهم حيثما كانوا فيؤخذ من الحديث جواز النقل قوله ( وكرائم أموالهم ) جمع كريمة وهي خيار المال أو أفضله (واتق دعوة المظلوم ) أريد به اتق الظلم خوفا من دعوة المظلوم عليك فيه أنه وإن كان قد [ ص: 544 ] يغلب حب الدنيا حتى ينسى الآخرة فلا يترك الظلم لكونه حراما مضرا في الآخرة فليترك لحب الدنيا خوفا من دعوة المظلوم وإلا فالظلم يجب تركه لكونه حراما وإن لم يخف دعوة صاحبه (وبين الله ) أي بين وصولها إلى محل الاستجابة والقبول وقد جاء ولو كان عاصيا فعند أحمد مرفوعا دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه وإسناده صحيح قال ابن العربي هذا الحديث وإن كان مطلقا فهو مقيد بالحديث الآخر أن الداعي على ثلاث مراتب إما أن يعجل له ما طلب وإما أن يؤخر له أفضل منه وإما أن يدفع من السوء مثله وهذا كما قيد مطلق قوله تعالى أمن يجيب المضطر إذا دعاه بقوله فيكشف ما تدعون إليه إن شاء ذكره السيوطي والله أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية