صفحة جزء
181 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن حدس عن عمه أبي رزين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره قال قلت يا رسول الله أو يضحك الرب قال نعم قلت لن نعدم من رب يضحك خيرا
قوله ( ضحك ) كفرح ربنا بالرفع فاعل ضحك قيل الضحك من الله الرضا وإرادة الخير وقيل بسط الرحمة بالإقبال وبالإحسان أو بمعنى أمر ملائكته بالضحك وأذن لهم فيه كما يقال السلطان قتله إذا أمر بقتله قال ابن حبان في صحيحه هو من نسبة الفعل إلى الآمر وهو في كلام العرب كثير قلت والتحقيق ما أشار إليه بعض المحققين أن الضحك وأمثاله مما هو من قبيل الانفعال إذا نسب إلى الله تعالى يراد به غايته وقيل بل المراد به إيجاد الانفعال في الغير فالمراد هاهنا الإضحاك ومذهب أهل التحقيق أنه صفة سمعية يلزم إثباتها مع نفي التشبيه وكمال التنزيه كما أشار إلى ذلك مالك وقد سئل عن الاستواء فقال الاستواء معلوم والكيف غير معلوم والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة قوله ( من قنوط عباده ) والقنوط كالجلوس وهو اليأس ولعل المراد هاهنا هو الحاجة والفقر أي يرضى عنهم ويقبل بالإحسان إذا نظر إلى فقرهم وفاقتهم وذلتهم وحقارتهم وضعفهم وإلا فالقنوط من رحمته يوجب الغضب لا الرضا قال تعالى لا تقنطوا من رحمة الله وقال ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون إلا أن يقال : ذلك هو القنوط بالنظر إلى كرمه وإحسانه مثل أن لا يرى له كرما وإحسانا أو يرى قليلا فيقنط كذلك فهذا هو الكفر والمنهي عنه أشد النهي وأما القنوط بالنظر إلى أعماله وقبائحه فهو مما يوجب للعبد تواضعا وخشوعا وانكسارا فيوجب الرضا ويجلب الإحسان والإقبال من الله تعالى ومنشأ هذا القنوط هو الغيبة عن صالح الأعمال واستعظام المعاصي إلى الغاية وكل منهما مطلوب ومحبوب ولعل هذا سبب مغفرة ذنوب من أمر أهله بإحراقه بعد الموت حين أيس من المغفرة فليتأمل وقوله : ( وقرب غيره ) ضبط بكسر المعجمة ففتح ياء بمعنى فقير الحال وهو اسم من قولك : غيرت الشيء فتغير حاله من القوة إلى الضعف ومن الحياة إلى الموت وهذه الأحوال مما تجلب الرحمة لا محالة في الشاهد فكيف لا تكون أسبابا عادية لجلبها من أرحم الراحمين جل ذكره وثناؤه والأقرب أن الغير بمعنى تغير الحال وتحويله وبه [ ص: 78 ] تشعر عبارة القاموس لا تغيره ولا تحوله كما في النهاية والضمير لله والمعنى أنه تعالى يضحك من أن العبد يصير مأيوسا من الخير بأدنى شر وقع عليه مع قرب تغييره تعالى الحال من شر إلى خير ومن مرض إلى عافية ومن بلاء ومحنة إلى سرور وفرحة لكن الضحك على هذا لا يمكن تفسيره بالرضا قلت : ( لن نعدم ) من عدم كـ علم إذا فقده يريد أن الرب الذي من صفاته الضحك لا نفقد خيره بل كلما احتجنا إلى خير وجدناه فإنا إذا أظهرنا الفاقة لديه يضحك فيعطي وفي الزوائد وكيع ذكره ابن حبان في الثقات وباقي رجاله احتج بهم مسلم انتهى أي فالحديث حسن .

التالي السابق


الخدمات العلمية