صفحة جزء
باب الوضوء شطر الإيمان

280 حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي حدثنا محمد بن شعيب بن شابور أخبرني معاوية بن سلام عن أخيه أنه أخبره عن جده أبي سلام عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إسباغ الوضوء شطر الإيمان والحمد لله ملء الميزان والتسبيح والتكبير ملء السماوات والأرض والصلاة نور والزكاة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها
قوله : ( الوضوء شطر الإيمان ) كأنه بتقدير المضاف أي إسباغ الوضوء ليوافق حديث الباب وبناء الترجمة على أنه فهم من إسباغ الوضوء والوضوء المسبغ لا يخفى بعده فإن ذلك معنى بعيد وأيضا إيضاح الترجمة عليه إلى تقدير الصفة أي باب الوضوء المسبغ شطر الإيمان فليتأمل .

قوله ( إسباغ الوضوء شطر الإيمان ) في رواية مسلم الطهور شطر الإيمان وذكروا في توجيهه وجوها لا تناسب رواية الكتاب منها أن الإيمان يطهر نجاسة الباطن والوضوء نجاسة الظاهر وهذان لم يفيدا أن الوضوء شطر الإيمان كرواية مسلم لأن إسباغه شطر الإيمان كرواية الكتاب مع أنه لا يتم لأنه يقتضي أن يجعل الوضوء مثل الإيمان وعديله لا نصفه أو شطره وكذا غالب ما ذكروا والأظهر الأنسب لما في الكتاب أن يقال أراد بالإيمان الصلاة كما في قوله تعالى وما كان الله ليضيع إيمانكم والكلام على تقدير مضاف أي إكمال الوضوء شطر كمال الصلاة وتوضيحه أن إكمال الصلاة بإكمال أشراطها الخارجة عنها وأركانها الداخلة فيها وأعظم الشرائط الوضوء فجعل كماله نصف إكمال الصلاة ويحتمل أن المراد الترغيب في إكمال الوضوء وتعظيم ثوابه حتى كأنه بلغ إلى نصف ثواب الإيمان قوله ( والحمد لله ملء الميزان ) بصيغة الماضي كأنه وقع وتحقق وظاهره أن الأعمال تجسد عند الوزن أو بصيغة المصدر ملء أفرده على الأول بتأويل كل منها أو مجموعها والظاهر أن هذا يكون عند الوزن كما في عديله ولعل الأعمال تصير أجساما لطيفة نورانية لا تزاحم بعضها ولا تزاحم غيرها أيضا كما هو [ ص: 121 ] المشاهد في الأنوار إذ يمكن أن يسرج ألف سراج في بيت واحد مع أنه يمتلئ نورا من واحد من تلك السرج لكن لكونه لا يزاحم يجتمع معه نور الثاني ونور الثالث ثم لا يمنع امتلاء البيت من النور جلوس القاعدين فيه لعدم التزاحم فلا يرد أنه كيف يتصور ذلك مع كثرة التسبيحات والتقديسات مع أنه يلزم من وجوده أن لا يبقى مكان لشخص من أهل المحشر ولا لعمل آخر متجسد مثل تجسد التسبيح وغيره قوله ( نور ) لتأثيره في تنوير القلوب وإشراح الصدور قوله ( برهان ) دليل على صدق صاحبه في دعوى الإيمان إذ الإقدام على بذله خالصا لله لا يكون إلا من صادق في إيمانه قوله ( والصبر ضياء إلخ ) أي نور قوي فقد قال تعالى هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا ولعل المراد بالصبر الصوم وهو لكونه قهرا على النفس قامعا لشهواتها له تأثير عادة في تنوير القلب بأتم وجه إن عملت به (أو عليك ) إن قرأته بلا عمل قوله ( كل الناس يغدو إلخ ) قال النووي معناه كل إنسان يسعى بنفسه فمنهم من يبيعها لله تعالى بطاعتهفيعتقها من العذاب ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى باتباعهما فيوبقها أي يهلكها وقال الطيبي كل الناس يسعى في الأمور فمنهم من يبيعها من الله فيعتقها أو يبيعها من الشيطان فيوبقها وفي المفاتيح البيع المبادلة والمعنى به هاهنا صرف النفس واستعمالها في عوض ما يتوخاه ويتوجه نحوه فإن كان خيرا يرضاه الله فقد أعتق نفسه من النار وإن كان شرا فقد أوبقها أي أهلكها انتهى والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية