صفحة جزء
باب من لم ير الجهر ب بسم الله الرحمن الرحيم

782 حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يفتتحون القراءة ب الحمد لله رب العالمين
قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الهداية : الذي يتحصل من البسملة أقوال : أحدها ـ أنها ليست من القرآن أصلا إلا في سورة النمل وهذا قول مالك وطائفة من الحنفية ورواية عن أحمد ثانيها ـ أنها آية من كل سورة أو بعض آية كما هو المشهور عن الشافعي ومن وافقه وعن الشافعي أنها آية من الفاتحة دون غيرها وهو رواية عن أحمد . ثالثها ـ أنها آية من القرآن مستقلة برأسها وليست من السور بل كتبت في كل سورة للفصل فقد روى مسلم عن المختار بن فلفل عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لقد أنزلت علي سورة آنفا ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر أخرجه مسلم ، وعن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة حتى تنزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم [ ص: 369 ] أخرجه أبو داود والحاكم وهذا قول ابن المبارك وداود وهو المنصوص عن أحمد وبه قال جماعة من الحنفية . وقال أبو بكر الرازي هو مقتضى المذهب . وعن أحمد بعد ذلك روايتان أحدهما أنها من الفاتحة والثاني لا فرق وهو الأصح ، ثم اختلفوا في قراءتها في الصلاة فعن الشافعي ومن تبعه تجب ، وعن مالك يكره ، وعن أبي حنيفة تستحب وهو المشهور عن أحمد . ثم اختلفوا فعن الشافعي يسن الجهر ، وعن أبي حنيفة لا يسن ، وعن إسحاق يخير انتهى كلامه .

( كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين ) بضم الدال على الحكاية ، واختلف في المراد بذلك ، فقيل المعنى كانوا يفتتحون بالفاتحة وهذا قول من أثبت الفاتحة في أولها ، وقيل المعنى : كانوا يفتتحون بهذا اللفظ تمسكا بظاهر الحديث ، وهذا قول من نفى قراءة البسملة ، لكن لا يلزم من قوله كانوا يفتتحون بالحمد أنهم لم يقرءوا بسم الله الرحمن الرحيم سرا .

واعلم أنه قد اختلف في لفظ حديث أنس اختلافا كثيرا ففي لفظ : فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم رواه أحمد ومسلم وفي لفظ : فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم رواه أحمد والنسائي على شرط الصحيح ، وفي لفظ : لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها رواه مسلم وفي لفظ : فلم يكونوا يستفتحون القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم رواه عبد الله بن أحمد في مسند أبيه ، وفي لفظ " كانوا يسرون " رواه ابن خزيمة قال الحافظ : والذي يمكن أن يجمع به مختلف ما نقل عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يجهر بها فحيث جاء عن أنس أنه كان لا يقرؤها مراده نفي الجهر ، وحيث جاء عنه إثبات القراءة فمراده السر ، وقد ورد نفي الجهر عنه صريحا فهو المعتمد ، وقول أنس في رواية مسلم : لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها محمول على نفي الجهر أيضا لأنه الذي يمكن نفيه ، واعتماد من نفى مطلقا بقول : " كانوا يفتتحون القراءة بالحمد " لا يدل على ذلك لأنه كان يفتتح بالتوجه وسبحانك اللهم وباعد بيني وبين خطاياي وبأنه كان يستعيذ وغير ذلك من الأخبار الدالة على أنه تقدم على قراءة الفاتحة شيئا بعد التكبير ، فيحمل قوله يفتتحون أي الجهر لتأتلف الأخبار ، انتهى .

[ ص: 370 ] واستدل بهذا الحديث من قال إنه لا يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، وهم على ما حكاه الترمذي أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم ومن بعدهم من التابعين ، وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق لا يرون أن يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، قالوا ويقولها في نفسه . قال الخطابي : قد يحتج بهذا الحديث من لا يرى التسمية من فاتحة الكتاب وليس المعنى كما توهمه إنما وجهه ترك الجهر بالتسمية بدليل ما روى ثابت عن أنس أنه قال : صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم انتهى . قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي من حديث شعبة عن قتادة ، وأخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي عوانة عن قتادة بنحوه .

التالي السابق


الخدمات العلمية