صفحة جزء
1704 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا إسمعيل بن جعفر عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجهني أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة قال عرفها سنة ثم اعرف وكاءها وعفاصها ثم استنفق بها فإن جاء ربها فأدها إليه فقال يا رسول الله فضالة الغنم فقال خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب قال يا رسول الله فضالة الإبل فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرت وجنتاه أو احمر وجهه وقال ما لك ولها معها حذاؤها وسقاؤها حتى يأتيها ربها حدثنا ابن السرح حدثنا ابن وهب أخبرني مالك بإسناده ومعناه زاد سقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر ولم يقل خذها في ضالة الشاء وقال في اللقطة عرفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها ولم يذكر استنفق قال أبو داود رواه الثوري وسليمان بن بلال وحماد بن سلمة عن ربيعة مثله لم يقولوا خذها
( عن يزيد مولى المنبعث ) : بضم الميم وسكون النون وفتح الموحدة وكسر المهملة بعدها مثلثة ( ثم اعرف وكاءها ) : الوكاء الخيط الذي تشد به الصرة ( وعفاصها ) : الذي تكون فيه النفقة . وأصل العفاص الجلد الذي يلبس رأس القارورة ، قاله الخطابي . قال العيني : العفاص بكسر العين المهملة وتخفيف الفاء وبالصاد ، وهو الوعاء الذي يكون فيه النفقة ، سواء كان من جلد أو خرقة أو حرير أو غيرها . فإن قلت : في رواية مالك كما عند الشيخين اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة ، وفي رواية المؤلف أبي داود وكذا عند مسلم عرفها سنة ثم اعرف وكاءها ، فهذه الرواية تقتضي أن معرفة الوكاء والعفاص تتأخر على تعريفها سنة ، ورواية مالك صريحة في تقديم المعرفة على التعريف .

قلت : قال النووي الجمع بينهما بأن يكون مأمورا بالمعرفة في حالتين ، فيعرف العلامات أول ما يلتقط حتى يعلم صدق واصفها إذا وصفها ، ثم بعد تعريفها سنة إذا أراد أن يتملكها فيعرفها مرة أخرى معرفة وافية محققة ليعلم قدرها وصفتها ؛ لاحتمال أن يجيء صاحبها فيقع الاختلاف في ذلك ، فإذا عرفها الملتقط وقت التملك يكون القول قوله لأنه أمين واللقطة وديعة عنده ( ثم استنفق بها ) : أي وإن لم يأت أحد بعد التعريف حولا فاستنفقها من الاستنفاق وهو استفعال ، وباب الاستفعال للطلب لكن الطلب على قسمين صريح وتقديري ، وهاهنا لا تملكها ثم أنفقها على نفسك ، انتهى .

( فقال ) : أي السائل ( فضالة الغنم ) : أي ما حكمها [ ص: 95 ] والأكثرون على أن الضالة مختصة بالحيوان ، وأما غيره فيقال فيه لقطة . وسوى الطحاوي بين الضالة واللقطة ( فإنما هي لك ) : إن أخذتها وعرفتها سنة ولم تجد صاحبها ( أو لأخيك ) : أي في الدين ملتقط آخر ( أو للذئب ) : إن تركتها ولم يأخذها غيرك ؛ لأنها لا تحمي نفسها ، وهذا على سبيل التنويع والتقسيم ، وأشار إلى إبطال قسمين ، فتعين الثالث فكأنه قال : ينحصر الأمر في ثلاثة أقسام أن تأخذها لنفسك ، أو تتركها فيأخذها مثلك أو يأكلها الذئب ، ولا سبيل إلى تركها للذئب فإنها إضاعة مال ، ولا معنى لتركها لملتقط آخر مثل الأول بحيث يكون الثاني أحق لأنهما استويا ، وسبق الأول فلا معنى للترك واستحقاق المسبوق ، وإذا بطل هذان القسمان تعين الثالث ، وهو أن تكون لهذا الملتقط . والتعبير بالذئب ليس بقيد فالمراد جنس ما يأكل الشاة ويفترسها من السباع قاله القسطلاني .

وقال الخطابي : وقوله في ضالة الغنم هي لك أو لأخيك أو للذئب ، فيه دليل على أنه إنما جعل هذا حكمها إذا وجدت بأرض فلاة يخاف عليها الذئاب فيها ، فإذا وجدت في قرية وبين ظهراني عمارة ، فسبيلها سبيل اللقطة في التعريف إذ كان معلوما أن الذئاب لا تأوي إلى الأمصار والقرى ، فأما ضالة الإبل فإنه لم يجعل لواجدها أن يتعرض لها ؛ لأنها قد ترد الماء وترعى الشجر وتعيش بلا راع ، وتمتنع من أكثر السباع فيجب أن يخلي سبيلها ، حتى يأتي ربها ، انتهى .

( فضالة الإبل ) : ما حكمها ( وجنتاه ) : الوجنة ما ارتفع من الخدين ( أو احمر وجهه ) : شك الراوي ( قال ) : - عليه الصلاة والسلام - ( ما لك ولها ) : أي ما لك وأخذها ، استفهام إنكاري أي ليس لك هذا ، وتدل عليه رواية للبخاري فذرها حتى يلقاها ربها ( معها حذاؤها ) : بكسر الحاء المهملة وبالذال المعجمة ممدودة أخفافها فتقوى بها على السير وقطع البلاد الشاسعة وورود المياه النائية ( وسقاؤها ) : بكسر السين المهملة والمد جوفها ، أي حيث وردت الماء شربت ما يكفيها ، حتى ترد ماء آخر ، لأن الإبل إذا شربت يوما تصبر أياما على العطش ، أو السقاء العنق ؛ لأنها تتناول المأكول بغير تعب لطول عنقها .

وبالجملة فالمراد بهذا النهي عن التعرض لها ؛ لأن الأخذ إنما هو الحفظ على صاحبها إما بحفظ العين أو بحفظ القيمة ، وهذه لا تحتاج إلى حفظ ؛ لأنها محفوظة بما خلق الله فيها من القوة والمنعة ، وما يسر لها من الأكل والشرب ، كذا في إرشاد الساري ( حتى يأتيها ربها ) : أي مالكها [ ص: 96 ] وآخذها . قال الخطابي : وفي الحديث دليل على أن كثير اللقطة وقليله سواء في وجوب التعريف ، إذا كان مما يبقى إلى الحول ؛ لأنه عم اللقطة ولم يخص ، وقال قوم : ينتفع بالقليل من غير تعريف كالنعل والسوط والجراب ونحوهم ، مما يرتفق به ولا يتمول ، وعن بعضهم أنه قال ما دون عشرة دراهم قليل ، وقال بعضهم إنما يعرف من اللقطة ما كان فوق الدينار ، واستدل بحديث علي الآتي قال : فهذا لم يعرفه سنة لكن استنفقه حين وجده ، فدل ذلك على فرق ما بين القليل من اللقطة والكثير منها ، انتهى .

قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه . ( بإسناده ومعناه ) : أي بإسناد حديث إسماعيل بن جعفر ، وحديث مالك هذا أخرجه مسلم بتمامه .

( ترد الماء وتأكل الشجر ) : قال القسطلاني : ويلحق بالإبل ما يمتنع بقوته من صغار السباع كالبقرة والفرس . قال العيني : اختلف العلماء في ضالة الإبل هل تؤخذ ؟ على قولين ، والثاني أخذها وتعريفها أفضل ، قاله الكوفيون ؛ لأن تركها سبب لضياعها . وقال ابن المنذر : وممن رأى ضالة البقر كضالة الإبل طاوس والأوزاعي والشافعي وبعض أصحاب مالك .

وقال ابن الجوزي : الخيل والإبل والبقر والبغال والحمير والشاة والظباء لا يجوز عندنا التقاطها ، إلا أن يأخذها الإمام للحفظ ، انتهى .

( ولم يقل ) : أي مالك في حديثه لفظ ( خذها في ضالة الشاء ) : كما قال إسماعيل بن جعفر وسيجيء بيانه ( وإلا فشأنك ) : بالنصب أي الزم شأنك ، وبالرفع بالابتداء وخبره محذوف تقديره فشأنك مباح أو جائز أو نحوه ، والشأن : الأمر والحال ، ( بها ) : أي بالإبل ( رواه الثوري ) : وحديثه عند الشيخين ( وسليمان بن بلال ) : وحديثه عند البخاري في كتاب العلم من طريق أبي عامر العقدي عن سليمان بن بلال عن ربيعة ، وليس فيه هذه اللفظة . وأما عند [ ص: 97 ] الشيخين من طريق سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن يزيد ففيه هذه الجملة موجودة ( وحماد بن سلمة عن ربيعة ) : وحديثه عند مسلم والمؤلف ( لم يقولوا خذها ) : . والحاصل أن مالكا والثوري وسليمان بن بلال وحماد بن سلمة كلهم رووه ، ولم يذكر أحد منهم عن ربيعة جملة خذها في ضالة الشاء . وأما إسماعيل بن جعفر فذكر عن ربيعة هذه الجملة ، والزيادة من الثقة مقبولة ، ولم ينفرد بها ربيعة في رواية إسماعيل بن جعفر ، بل تابع ربيعة يحيى بن سعيد الأنصاري . فقوله : خذها صريح في الأمر بالأخذ . وفيه رد على قول من قال يترك التقاط الشاة . وتمسك به مالك في أنه يملكها بالأخذ ، ولا يلزمه غرامة ، ولو جاء صاحبها وفيه نظر . قال الخطابي : قوله هي لك فيه دليل على أنه لا ينقض البيع فيها إذا كان قد باعها ، ولكن يغرم له القيمة ؛ لأنه إذا أذن له في أن يستنفقها فقد أذن له فيما يتوصل به إلى الاستنفاق بها من بيع ونحوه .

التالي السابق


الخدمات العلمية