صفحة جزء
باب الخروج من الطاعون

3103 حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عبد الله بن عباس قال قال عبد الرحمن بن عوف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه يعني الطاعون
( إذا سمعتم به ) : أي بالطاعون كما في رواية أخرى ( بأرض ) : أي إذا بلغكم [ ص: 282 ] وقوعه في بلدة أو محلة ( فلا تقدموا عليه ) : بضم التاء من الإقدام ويجوز فتح التاء والدال من باب سمع . قال الزرقاني في شرح الموطأ لا تقدموا بفتح أوله وثالثه وروي بضم الأول وكسر الثالث انتهى . وفي رواية أخرى فلا تدخلوا عليه أي يحرم عليكم ذلك لأن الإقدام عليه جراءة على خطر وإيقاع للنفس في التهلكة والشرع ناه عن ذلك ، قال تعالى ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ( وإذا وقع ) : أي الطاعون ( وأنتم ) : أي والحال أنتم ( بها ) : بذلك الأرض ( فرارا ) : أي بقصد الفرار ( منه ) : فإن ذلك حرام لأنه فرار من القدر وهو لا ينفع ، والثبات تسليم لما لم يسبق منه اختيار فيه فإن لم يقصد فرارا بل خرج لنحو حاجة لم يحرم . قاله المناوي في التيسير ( يعني الطاعون ) : الطاعون بوزن فاعول من الطعن عدلوا به عن أصله ووضعوه دالا على الموت العام كالوباء ويقال طعن فهو مطعون وطعين إذا أصابه الطاعون ، وإذا أصابه الطعن بالرمح فهو مطعون هذا كلام الجوهري . وقال الخليل : الطاعون الوباء . وقال صاحب النهاية : الطاعون المرض العام الذي يفسد له الهواء وتفسد به الأمزجة والأبدان . وقال أبو بكر بن العربي : الطاعون الوجع الغالب الذي يطفئ الروح كالذبحة سمي بذلك لعموم مصابه وسرعة قتله . وقال أبو الوليد الباجي : هو مرض يعم الكثير من الناس في جهة من الجهات بخلاف المعتاد من أمراض الناس ، ويكون مرضهم واحدا بخلاف بقية الأوقات ، فتكون الأمراض مختلفة . وقال عياض : أصل الطاعون القروح الخارجة في الجسد ، والوباء عموم الأمراض فسميت طاعونا لشبهها بها في الهلاك وإلا فكل طاعون وباء وليس كل وباء طاعونا . وقال النووي : هو بثر وورم مؤلم جدا يخرج مع لهب ويسود ما حواليه أو يخضر أو يحمر حمرة شديدة بنفسجية كدرة ويحصل معه خفقان وقيء ، ويخرج غالبا في المراق والآباط ، وقد يخرج في الأيدي والأصابع وسائر الجسد . وقال جماعة من الأطباء منهم أبو علي بن سينا : الطاعون مادة سمية تحدث ورما قتالا يحدث في المواضع الرخوة والمغابن من البدن وأغلب ما تكون تحت الإبط أو خلف [ ص: 283 ] الأذن أو عند الأرنبة . قاله الحافظ في الفتح . والمراد بالطاعون المذكور في الحديث الذي ورد في الهرب عنه الوعيد هو الوباء وكل موت عام . قال الخطابي في قوله عليه السلام : " لا تقدموا عليه " إثبات الحذر والنهي عن التعرض للتلف ، وفي قوله عليه السلام لا تخرجوا فرارا منه إثبات التوكل والتسليم لأمر الله تعالى وقضائه فأحد الأمرين تأديب وتعليم ، والآخر تفويض وتسليم انتهى .

وقال المنذري : والحديث أخرجه البخاري ومسلم مطولا ، واختلف السلف في ذلك فمنهم من أخذ بظاهر الحديث وهم الأكثر . وعن عائشة قالت هو كالفرار من الزحف .

ومنهم من دخل إلى بلاد الطاعون وخرج عنها ، وروي هذا المذهب عن عمر بن الخطاب وأنه ندم على خروجه من سرغ .

وروي عن أبي موسى الأشعري ومسروق والأسود بن هلال أنهم فروا من الطاعون . وروي عن عمرو بن العاص نحوه . وقال بعض أهل العلم : لم ينه عن دخول أرض الطاعون والخروج عنها مخافة أن يصيبه غير ما كتب عليه ، أو يهلك قبل أجله لكن حذار الفتنة على الحي من أن يظن أن هلاك من هلك لأجل قدومه ، ونجاة من نجا لفراره ، وهذا نحو نهيه عن الطيرة والقرب من المجذوم مع قوله لا عدوى . وقد روي عن ابن مسعود أنه قال : الطاعون فتنة على المقيم وعلى الفار ، أما الفار فيقول فررت فنجوت ، وأما المقيم فيقول أقمت فمت انتهى كلام المنذري .

وأخرج مالك والشيخان من طريقه عن أسامة بن زيد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الطاعون رجز أرسل على طائفة من بني إسرائيل أو على من كان قبلكم ، فإذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوا عليه ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه .

وأخرج الشيخان من حديث أنس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الطاعون شهادة لكل مسلم .

وأخرج البخاري عن عائشة قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون فقال كان عذابا يبعثه الله على من كان قبلكم فجعله الله رحمة للمؤمنين ، ما من عبد يكون في بلد فيكون فيه فيمكث لا يخرج صابرا محتسبا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر شهيد ويجيء بعض الروايات بعد الأبواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية