صفحة جزء
باب في زرع الأرض بغير إذن صاحبها

3403 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا شريك عن أبي إسحق عن عطاء عن رافع بن خديج قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته
( من زرع في أرض قوم إلخ ) : فيه دليل على أن من غصب أرضا وزرعها كان الزرع للمالك للأرض وللغاصب ما غرمه في الزرع يسلمه له مالك الأرض قال الترمذي : والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم ، وهو قول أحمد وإسحاق ، قال ابن رسلان [ ص: 209 ] في شرح السنن : وقد استدل به كما قال الترمذي أحمد على أن من زرع بذرا في أرض غيره واسترجعها صاحبها فلا يخلو إما أن يسترجعها مالكها ويأخذها بعد حصاد الزرع ، أو يسترجعها والزرع قائم قبل أن يحصد ، فإن أخذها مستحقها بعد حصاد الزرع فإن الزرع لغاصب الأرض لا نعلم فيها خلافا ، وذلك لأنه نماء ماله وعليه أجرة الأرض إلى وقت التسليم ، وضمان نقص الأرض وتسوية حفرها . وإن أخذ الأرض صاحبها من الغاصب والزرع قائم فيها لم يملك إجبار الغاصب على قلعه وخير المالك بين أن يدفع إليه نفقته ويكون الزرع له أو يترك الزرع للغاصب ، وبهذا قال أبو عبيد . وقال الشافعي وأكثر الفقهاء : إن صاحب الأرض يملك إجبار الغاصب على قلعه ، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم ليس لعرق ظالم حق ويكون الزرع لمالك البذر عندهم على كل حال وعليه كراء الأرض ومن جملة ما استدل به الأولون ما أخرجه أحمد وأبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى زرعا في أرض ظهير فأعجبه الحديث ، وقد تقدم آنفا ، فدل على أن الزرع تابع للأرض .

قال الشوكاني : ولا يخفى أن حديث رافع بن خديج أخص من قوله ليس لعرق ظالم حق مطلقا فيبنى العام على الخاص ، وهذا فرض أن قوله صلى الله عليه وسلم ليس لعرق ظالم حق يدل على أن الزرع لرب البذر ، فيكون الراجح ما ذهب إليه أهل القول الأول من أن الزرع لصاحب الأرض إذا استرجع أرضه والزرع فيها ، وأما إذا استرجعها بعد حصاد الزرع فظاهر الحديث أنه أيضا لرب الأرض ، ولكنه إذا صح الإجماع على أنه للغاصب كان مخصصا لهذه الصورة .

وقد روي عن مالك وأكثر علماء المدينة مثل ما قاله الأولون .

قال ابن رسلان : إن حديث ليس لعرق ظالم حق في ورد الغرس الذي له عرق مستطيل في الأرض ، وحديث رافع ورد في الزرع ، فيجمع بين الحديثين ويعمل بكل واحد منهما في موضعه انتهى .

ولكن قال الشوكاني : ما ذكرناه من الجمع أرجح لأن بناء العام على الخاص أولى من المصير إلى قصر العام على السبب من غير ضرورة .

( وله نفقته ) : أي للغاصب ما أنفقه على الأرض من المؤنة في الحرث والسقي وقيمة [ ص: 210 ] البذر وغير ذلك وقيل المراد بالنفقة قيمة الزرع فتقدر قيمته ويسلمها المالك والظاهر الأول .

قال الإمام أبو سليمان الخطابي بعدما ضعف الحديث : ويشبه أن يكون معناه لو صح وثبت على العقوبة والحرمان للغاصب ، والزرع في قول عامة الفقهاء لصاحب البذر لأنه تولد من عين ماله وتكون منه ، وعلى الزارع كراء الأرض غير أن أحمد بن حنبل كان يقول : إذا كان الزرع قائما فهو لصاحب الأرض ، فأما إذا حصد فإنما يكون له الأجرة .

وحكى ابن المنذر عن أبي داود قال : سمعت أحمد بن حنبل سئل عن حديث رافع بن خديج ، فقال : عن رافع ألوان ، ولكن أبا إسحاق زاد فيه : زرع بغير إذنه . وليس غيره يذكر هذا الحرف انتهى .

قال المنذري : وأخرجه الترمذي وابن ماجه ، وقال الترمذي : حسن غريب لا نعرف من حديث أبي إسحاق إلا من هذا الوجه من حديث شريك بن عبد الله ، قال : وسألت محمد بن إسماعيل يعني البخاري عن هذا الحديث ، فقال : هو حديث حسن ، وقال : لا أعرفه من حديث أبي إسحاق إلا من رواية شريك .

وقال الخطابي : هذا الحديث لا يثبت عند أهل المعرفة بالحديث ، وحدثني الحسن بن يحيى عن موسى بن هارون الحمال أنه ينكر هذا الحديث ويضعفه ويقول : لم يروه عن أبي إسحاق غير شريك ولا رواه عن عطاء غير أبي إسحاق وعطاء لم يسمع من رافع بن خديج شيئا ، وضعفه البخاري أيضا ، وقال تفرد بذلك شريك عن أبي إسحاق ، وشريك يهم كثيرا أو أحيانا .

وقال الخطابي أيضا : وحكى ابن المنذر عن أبي داود ، قال : سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن حديث رافع بن خديج ، فقال : عن رافع ألوان ، ولكن أبا إسحاق زاد فيه : " زرع بغير إذنه " وليس غيره يذكر هذا الحرف انتهى . كلام المنذري .

التالي السابق


الخدمات العلمية