صفحة جزء
إحفاء الشارب وإعفاء اللحى

15 أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال حدثنا يحيى هو ابن سعيد عن عبيد الله أخبرني نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى
15 ( احفوا الشوارب واعفوا اللحى ) قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري الإحفاء بالحاء المهملة والفاء الاستقصاء ، ومنه حتى أحفوه بالمسألة ، وقد ورد بلفظ انهكوا الشوارب وبلفظ جزوا الشوارب وكل هذه الألفاظ تدل على أن المطلوب المبالغة في الإزالة ؛ لأن الجز قص الشعر والصوف إلى أن يبلغ الجلد ، والنهك المبالغة في الإزالة ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم للخافضة أشمي ولا تنهكي ، أي لا تبالغي في ختان المرأة قال الطحاوي لم أر عن الشافعي - رحمه الله - في ذلك شيئا منصوصا وأصحابه الذين رأيناهم كالمزني والربيع كانوا يحفون ، وما أظنهم أخذوا ذلك إلا عنه ، وكان أبو حنيفة رحمه الله وأصحابه يقولون الإحفاء أفضل من التقصير ، وخالف مالك انتهى ، وقال الأشرم كان أحمد يحفي شاربه إحفاء شديدا ، ونص على أنه أولى من القص ، وقال النووي المختار في قص الشارب أنه يقصه حتى يبدو طرف الشفة ولا يحفيه من أصله ، وأما رواية أحفوا [ ص: 17 ] فمعناه أزيلوا ما طال على الشفتين قال ابن دقيق العيد ما أدري هل نقله عن المذهب أو قاله اختيارا منه لمذهب مالك وقال القاضي عياض ذهب كثير من السلف إلى سنية استئصال الشارب وحلقه لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم أحفوا وانهكوا ، وهو قول الكوفيين ، وذهب كثير منهم إلى منع الحلق وقاله مالك ، وذهب بعض العلماء إلى التخيير بين الأمرين وقال القرطبي قص الشارب أن يأخذ ما طال عن الشفة بحيث لا يؤذي الآكل ، ولا يجتمع فيه الوسخ ، والجز والإحفاء هو القص المذكور ، وليس الاستئصال عند مالك قال وذهب الكوفيون إلى أنه الاستئصال ، وبعض العلماء إلى التخيير في ذلك قال الحافظ ابن حجر هو الطبري ، فإنه حكى قول مالك وقول الكوفيين ، ونقل عن أهل اللغة أن الإحفاء الاستئصال ، ثم قال دلت السنة على الأمرين ، ولا تعارض ، فإن القص يدل على أخذ البعض ، والإحفاء يدل على أخذ الكل ، وكلاهما ثابت ، فيتخير فيما شاء قال الحافظ ابن حجر ويرجح قول الطبري ثبوت الأمرين معا في الأحاديث ، فأما الاقتصار على القص ففي حديث المغيرة بن شعبة ضفت النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان شاربي وفاء فقصه على سواك أخرجه أبو داود ورواه البيهقي بلفظ فوضع السواك تحت الشارب وقص عليه وأخرج البزار من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر رجلا ، وشاربه طويل ، فقال ائتوني بمقص وسواك ، فجعل السواك على طرفه ثم أخذ ما جاوزه وأخرج الترمذي من حديث ابن عباس - رضي الله عنه - وحسنه كان النبي صلى الله عليه وسلم يقص شاربه ، وأخرج البيهقي والطبراني [ ص: 18 ] من حديث شرحبيل بن مسلم الخولاني قال رأيت خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصون شواربهم أبا أمامة الباهلي والمقدام بن معديكرب الكندي وعتبة بن عوف السلمي والحجاج بن عامر الشامي وعبد الله بن بشر وأما الإحفاء ففي رواية ميمون بن مهران عن ابن عمر قال ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم المجوس فقال إنهم يرخون سبالهم ويحلقون لحاهم فخالفوهم قال وكان ابن عمر يستعرض سبلته فيجزها كما تجز الشاة أو البعير أخرجه الطبراني والبيهقي ، وأخرجا من طريق عبد الله بن أبي رافع قال رأيت أبا سعيد الخدري ، وجابر بن عبد الله ، وابن عمر ورافع بن خديج ، وأبا أسيد الأنصاري ، وسلمة بن الأكوع ، وأبا رافع ينهكون شواربهم كالحلق وأخرج أبو بكر الأشرم من طريق عمر بن أبي سلمة عن أبيه قال رأيت ابن عمر يحفي شاربه حتى لا يترك منه شيئا ، وأخرج الطبراني من طريق عبد الله بن أبي عثمان قال رأيت ابن عمر يأخذ من شاربه أعلاه وأسفله ، وأخرج الطبراني من طريق عروة وسالم والقاسم وأبي سلمة أنهم كانوا يحلقون شواربهم انتهى ما أورده الحافظ ابن حجر وقال النووي قوله أحفوا وأعفوا بقطع الهمزة فيهما ، وقال ابن دريد يقال أيضا حفا الرجل شاربه يحفوه حفوا إذا استأصل أخذ شعره ، فعلى هذا يكون همزة احفوا همزة وصل ، وقال غيره عفوت الشعر وأعفيته لغتان انتهى وفي النهاية إعفاء اللحى أن يوفر شعرها ، ولا يقص كالشوارب ، من أعفى الشيء إذا كثر وزاد

التالي السابق


الخدمات العلمية