صفحة جزء
فضل الصيام والاختلاف على أبي إسحق في حديث علي بن أبي طالب في ذلك

2211 أخبرني هلال بن العلاء قال حدثنا أبي قال حدثنا عبيد الله عن زيد عن أبي إسحق عن عبد الله بن الحارث عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله تبارك وتعالى يقول الصوم لي وأنا أجزي به وللصائم فرحتان حين يفطر وحين يلقى ربه والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك
2211 ( الصوم لي , وأنا أجزي به ) اختلف العلماء في المراد بهذا مع أن الأعمال كلها لله -تعالى- , وهو الذي يجزي بها على أقوال : أحدها : أن الصوم لا يقع فيه الرياء , كما يقع في غيره قاله أبو عبيد قال : ويؤيده حديث : ليس في الصوم رياء قال : وذلك ؛ لأن الأعمال إنما تكون بالحركات , إلا الصوم , فإنما هو بالنية التي تخفى عن الناس , [ ص: 160 ] قال : هذا وجه الحديث عندي , والحديث المذكور رواه البيهقي في الشعب من حديث أبي هريرة بسند ضعيف قال الحافظ ابن حجر : ولو صح لكان قاطعا للنزاع , وقد ارتضى هذا الجواب المازري , وابن الجوزي , والقرطبي .

الثاني : معناه أن الأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس وإنها تضعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله , إلا الصيام , فإن الله يثيب عليه بغير تقدير , ويشهد له مساق رواية الموطأ حيث قال : كل عمل ابن آدم يضاعف , الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله قال الله : إلا الصوم , فإنه لي , وأنا أجزي به , أي : أجازي عليه خيرا كثيرا من غير تعيين لمقداره .

الثالث : معنى قوله : الصوم لي أنه أحب العبادات إلي , والمقدم عندي قال ابن عبد البر : كفى بقوله " الصوم لي " فضلا للصيام على سائر العبادات , وروى النسائي : عليك بالصوم , فإنه لا مثل له , لكن يعكر على هذا الحديث الصحيح : واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة .

الرابع : الإضافة إضافة تشريف وتعظيم , كما يقال : بيت الله , وإن كانت البيوت كلها لله .

الخامس : أن الاستغناء عن الطعام وغيره من الشهوات من صفات الرب جل جلاله , فلما تقرب الصائم إليه بما يوافق صفاته أضافه إليه ، قال القرطبي : معناه أن أعمال العباد مناسبة لأحوالهم , إلا الصيام , فإنه مناسب لصفة من صفات الحق كأنه يقول : إن الصائم يتقرب إلي بأمر هو متعلق بصفة من صفاتي .

السادس : أن المعنى كذلك , لكن بالنسبة إلى الملائكة ؛ لأن ذلك من صفاتهم .

السابع : أنه خالص لله -تعالى- , وليس للعبد فيه حظ بخلاف غيره , فإن له فيه حظا لثناء الناس عليه بعبادته .

الثامن : أن الصيام لم يعبد به غير الله بخلاف الصلاة , والصدقة , والطواف , ونحو ذلك .

التاسع : أن جميع العبادات توفى منها مظالم العباد , إلا الصوم , روى البيهقي عن ابن عيينة قال : إذا كان يوم القيامة يحاسب الله تعالى عبده ويؤدي ما عليه من المظالم من عمله حتى لا يبقى له إلا الصوم , فيتحمل الله تعالى ما بقي عليه من المظالم , ويدخله بالصوم الجنة , ويؤيده حديث أبي هريرة رفعه قال ربكم تبارك وتعالى : كل العمل كفارة , إلا الصوم , الصوم لي , وأنا أجزي به , رواه الطيالسي , وأحمد في مسنديهما .

العاشر : أن الصوم لا يظهر فتكتبه الحفظة , كما لا تكتب سائر أعمال القلوب , [ ص: 161 ] قال الحافظ ابن حجر : فهذا ما وقفت عليه من الأجوبة , وأقربها إلى الصواب الأول والثاني , وأقرب منهما الثامن والتاسع قال : وقد بلغني أن بعض العلماء بلغها إلى أكثر من هذا , وهو الطالقاني في حظائر القدس له , ولم أقف عليه قلت : قد وقفت عليه فرأيته بلغها إلى خمسة وخمسين قولا , وسأسوقها إن شاء الله تعالى في التعليق الذي على ابن ماجه قال الحافظ : اتفقوا على أن المراد بالصيام هنا صيام من سلم صيامه من المعاصي قولا وفعلا , وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : هذا الحديث يشكل بقوله عز وجل : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين , يعني أن نصف الفاتحة الأول ثناء على الله , والنصف الثاني دعاء للعبد في مصالحه , فقد صار لله غير الصوم ، قال : والجواب : أن الإضافة الثانية لا تناقض الأولى , إذ الثانية لأجل الثناء عليه عز وجل , والأول لأجل أحد الوجوه المذكورة , وإذا تعددت الجهة , فلا تعارض حينئذ .

التالي السابق


الخدمات العلمية