صفحة جزء
باب إذا استشارت المرأة رجلا فيمن يخطبها هل يخبرها بما يعلم

3245 أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ لمحمد عن ابن القاسم عن مالك عن عبد الله بن يزيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال والله ما لك علينا من شيء فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال ليس لك نفقة فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال تلك امرأة يغشاها أصحابي فاعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك فإذا حللت فآذنيني قالت فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له ولكن انكحي أسامة بن زيد فكرهته ثم قال انكحي أسامة بن زيد فنكحته فجعل الله عز وجل فيه خيرا واغتبطت به
3245 ( أن أبا عمرو بن حفص طلقها ) قال النووي : هكذا قال الجمهور وقيل : أبو حفص بن عمرو ، وقيل أبو حفص بن المغيرة ، واختلف في اسمه ، والأكثرون على أن اسمه عبد الحميد ، وقال النسائي : اسمه أحمد ، وقال آخرون : اسمه كنيته ( أم شريك ) اسمها غزية وقيل : عزيلة بنت دودان ( فآذنيني ) بالمد أي أعلميني ( أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه ) قيل : المراد أنه كثير الأسفار ، وقيل : [ ص: 76 ] إنه كثير الضرب للنساء ، قال النووي : وهذا أصح ، قال الحاكم في كتاب مناقب الشافعي : من لطيف استنباطه ما رواه محمد بن جرير الطبري عن الربيع قال : كان الشافعي يوما بين يدي مالك بن أنس ، فجاء رجل إلى مالك فقال : يا أبا عبد الله إني رجل أبيع القمري ، وإني بعت يومي هذا قمريا ، فبعد زمان أتى صاحب القمري فقال : إن قمريك لا يصيح ، فتناكرنا إلى أن حلفت بالطلاق أن قمري لا يهدأ من الصياح ، قال مالك : طلقت امرأتك ، فانصرف الرجل حزينا ، فقام الشافعي إليه وهو يومئذ ابن أربع عشرة سنة وقال للسائل : أصياح قمريك أكثر أم سكوته؟ قال السائل : بل صياحه ، قال الشافعي : امض فإن زوجتك ما طلقت ، ثم رجع الشافعي إلى الحلقة فعاد السائل إلى مالك وقال : يا أبا عبد الله تفكر في واقعتي - تستحق الثواب - فقال مالك - رحمه الله - : الجواب ما تقدم ، قال : فإن عندك من قال : الطلاق غير واقع ، فقال مالك : ومن هو؟ فقال السائل : هو هذا الغلام ، وأومأ بيده إلى الشافعي ، فغضب مالك وقال : من أين هذا الجواب؟ فقال الشافعي : لأني سألته : أصياحه أكثر أم سكوته؟ فقال : إن صياحه أكثر ، فقال مالك : وهذا الدليل أقبح ، أي تأثير لقلة سكوته وكثرة صياحه في هذا الباب؟ فقال الشافعي : لأنك حدثتني عن عبد الله بن يزيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس : أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن أبا جهم ومعاوية خطباني فبأيهما أتزوج؟ فقال لها : أما معاوية فصعلوك ، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وقد علم الرسول أن أبا جهم كان يأكل وينام ويستريح ، فعلمنا أنه عليه الصلاة والسلام عنى بقوله : لا يضع عصاه عن عاتقه على تفسير أن الأغلب من أحواله ذلك ، فكذا هنا حملت قوله : هذا القمري لا يهدأ من الصياح أن الأغلب من أحواله ذلك . فلما سمع مالك ذلك تعجب من الشافعي ولم يقدح في قوله ألبتة ( وأما معاوية فصعلوك ) بضم الصاد ( لا مال له ) قال النووي : في هذا الحديث استعمال المجاز وجواز إطلاق مثل هذه العبارة ، فإنه قال ذلك مع العلم بأنه كان لمعاوية ثوب يلبسه ونحو ذلك من المال المحقر ، وأن أبا جهم كان يضع العصا عن عاتقه في حال نومه وأكله وغيرهما ، ولكن لما كان كثير الحمل للعصا ، وكان معاوية قليل المال جدا جاز إطلاق هذا اللفظ عليه مجازا .

[ ص: 77 ] ( واغتبطت به ) بفتح التاء والباء .

التالي السابق


الخدمات العلمية