صفحة جزء
كتاب عشرة النساء باب حب النساء

3939 حدثني الشيخ الإمام أبو عبد الرحمن النسائي قال أخبرنا الحسين بن عيسى القومسي قال حدثنا عفان بن مسلم قال حدثنا سلام أبو المنذر عن ثابت عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حبب إلي من الدنيا النساء والطيب وجعل قرة عيني في الصلاة
3939 [ ص: 61 ] ( عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حبب إلي من الدنيا النساء والطيب ، وجعلت قرة عيني في الصلاة ) قال بعضهم : في هذا قولان : أحدهما : أنه زيادة في الابتلاء والتكليف حتى [ ص: 62 ] يلهو بما حبب إليه من النساء عما كلف من أداء الرسالة ، فيكون ذلك أكثر لمشاقه وأعظم لأجره . والثاني : لتكون خلواته مع من يشاهدها من نسائه ، فيزول عنه ما يرميه به المشركون من أنه ساحر أو شاعر ، فيكون تحبيبهن إليه على وجه اللطف به ، وعلى القول الأول على وجه الابتلاء ، وعلى القولين فهو له فضيلة . وقال التستري في " شرح الأربعين " : " من " في هذا الحديث بمعنى " في " ؛ لأن هذه من الدين لا من الدنيا وإن كانت فيها ، والإضافة في رواية " دنياكم " للإيذان بأن لا علاقة له بها ، وفي هذا الحديث إشارة إلى وفائه صلى الله عليه وسلم بأصلي الدين ، وهما التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله ، وهما كمالا قوتيه النظرية والعملية ؛ فإن كمال الأولى بمعرفة الله ، والتعظيم دليل عليها ؛ لأنه لا يتحقق بدونها ، والصلاة - لكونها مناجاة الله تعالى على ما قال صلى الله عليه وسلم : المصلي يناجي ربه - نتيجة التعظيم على ما يلوح من أركانها ووظائفها . وكمال الثانية في الشفقة وحسن المعاملة مع الخلق ، وأولى الخلق بالشفقة بالنسبة إلى كل واحد من الناس نفسه وبدنه ، كما قال صلى الله عليه وسلم : ابدأ بنفسك ثم بمن تعول والطيب أخص الذات بالنفس ، ومباشرة النساء ألذ الأشياء بالنسبة إلى البدن ، مع ما يتضمن من حفظ الصحة ، وبقاء النسل المستمر لنظام الوجود ، ثم إن معاملة النساء أصعب من معاملة الرجال ؛ لأنهن أرق دينا ، وأضعف عقلا وأضيق خلقا ، كما قال صلى الله [ ص: 63 ] عليه وسلم : ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن فهو عليه الصلاة والسلام أحسن معاملتهن بحيث عوتب بقوله تعالى : تبتغي مرضاة أزواجك وكان صدور ذلك منه طبعا لا تكلفا ، كما يفعل الرجل ما يحبه من الأفعال ، فإذا كانت معاملته معهن هذا ، فما ظنك بمعاملته مع الرجال الذين هم أكمل عقلا وأمثل دينا وأحسن خلقا ، وقوله : وجعلت قرة عيني في الصلاة إشارة إلى أن كمال القوة النظرية أهم عنده وأشرف في نفس الأمر ، وأما تأخيره ؛ فللتدرج التعليمي من الأدنى إلى الأعلى ، وقدم الطيب على النساء لتقدم حظ النفس على حظ البدن في الشرف . وقال الحكيم الترمذي في " نوادر الأصول " : الأنبياء زيدوا في النكاح لفضل نبوتهم ، وذلك أن النور إذا امتلأ منه الصدر ففاض في العروق التذت النفس والعروق ، فأثار الشهوة وقواها . وروي عن سعيد بن المسيب أن النبيين عليهم الصلاة والسلام يفضلون بالجماع على الناس . وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : أعطيت قوة أربعين رجلا في البطش والنكاح ، وأعطي المؤمن قوة عشرة ، فهو بالنبوة ، والمؤمن بإيمانه ، والكافر له شهوة الطبيعة فقط ، قال : وأما الطيب فإنه يزكي الفؤاد ، وأصل الطيب إنما خرج من الجنة تزود آدم منها بورقة تستر بها ، فتركت عليه وروى أحمد والترمذي من حديث أبي أيوب ، قال : قال رسول الله [ ص: 64 ] صلى الله عليه وسلم : أربع من سنن المرسلين : التعطر والحياء والنكاح والسواك وقال الشيخ تقي الدين السبكي : السر في إباحة نكاح أكثر من أربع لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى أراد نقل بواطن الشريعة وظواهرها ، وما يستحيا من ذكره وما لا يستحيا منه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الناس حياء ، فجعل الله تعالى له نسوة ينقلن من الشرع ما يرينه من أفعاله ويسمعنه من أقواله التي قد يستحيي من الإفصاح بها بحضرة الرجال ؛ ليكتمل نقل الشريعة ، وكثر عدد النساء ليكثر الناقلون لهذا النوع ، ومنهن عرف مسائل الغسل والحيض والعدة ونحوها . قال : ولم يكن ذلك لشهوة منه في النكاح ، ولا كان يحب الوطء للذة البشرية معاذ الله ، وإنما حبب إليه النساء لنقلهن عنه ما يستحيي هو من الإمعان في التلفظ به ، فأحبهن لما فيه من الإعانة على نقل الشريعة في هذه الأبواب ، وأيضا فقد نقلن ما لم ينقله غيرهن مما رأينه في منامه وحالة خلوته من الآيات البينات على نبوته ، ومن جده واجتهاده في العبادة ، ومن أمور يشهد كل ذي لب أنها لا تكون إلا لنبي وما كان يشاهدها غيرهن ، فحصل بذلك خير عظيم . وقال الموفق عبد اللطيف البغدادي : لما كانت الصلاة جامعة لفضائل الدنيا والآخرة خصها بزيادة صفة ، وقدم الطيب لإصلاحه النفس ، [ ص: 65 ] وثنى بالنساء ؛ لإماطة أذى النفس بهن ، وثلث بالصلاة ؛ لأنها تحصل حينئذ صافية عن الشوائب خالصة عن الشواغل .

التالي السابق


الخدمات العلمية