صفحة جزء
[ قدومهم على الرسول وشعر أبي جعال ]

قال ابن إسحاق : وإذا أخت حسان بن ملة ، وهي امرأة أبي وبر بن عدي بن أمية بن الضبيب في الأسارى ، فقال له زيد : خذها ، وأخذت بحقويه فقالت أم الفزر الضلعية : أتنطلقون ببناتكم وتذرون أمهاتكم ؟ فقال أحد بني الخصيب : إنها بنو الضبيب وسحر ألسنتهم سائر اليوم ، فسمعها بعض الجيش ، فأخبر بها زيد بن حارثة ، فأمر بأخت حسان ، ففكت يداها من حقويه ، وقال لها : اجلسي مع بنات عمك حتى يحكم الله فيكن حكمه ، فرجعوا ، ونهى الجيش أن يهبطوا إلى واديهم الذي جاءوا منه ، فأمسوا في أهليهم ، واستعتموا ذودا لسويد بن زيد ، فلما شربوا عتمتهم ، ركبوا إلى رفاعة بن زيد ، وكان ممن ركب إلى رفاعة بن زيد تلك الليلة ، أبو زيد بن عمرو ، وأبو شماس بن عمرو ، وسويد بن زيد ، وبعجة بن زيد ، وبرذع بن زيد ، وثعلبة بن زيد ، ومخربة بن عدي ، وأنيف بن ملة ، وحسان [ ص: 615 ] بن ملة ، حتى صبحوا رفاعة بن زيد بكراع ربة ، بظهر الحرة ، على بئر هنالك من حرة ليلى ، فقال له حسان بن ملة : إنك لجالس تحلب المعزى ونساء جذام أسارى قد غرها كتابك الذي جئت به ، فدعا رفاعة بن زيد بجمل له ، فجعل يشد عليه رحله وهو يقول :


هل أنت حي أو تنادي حيا



ثم غدا وهم معه بأمية بن ضفارة أخي الخصيبي المقتول ، مبكرين من ظهر الحرة ، فساروا إلى جوف المدينة ثلاث ليال ؛ فلما دخلوا المدينة ، وانتهوا إلى المسجد ، نظر إليهم رجل من الناس ، فقال : لا تنيخوا إبلكم ، فتقطع أيديهن ، فنزلوا عنهن وهن قيام ؛ فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآهم ألاح إليهم بيده : أن تعالوا من وراء الناس ؛ فلما استفتح رفاعة بن زيد المنطق ، قام رجل من الناس فقال : يا رسول الله ، إن هؤلاء قوم سحرة ، فرددها مرتين ، فقال رفاعة بن زيد : رحم الله من لم يحذنا في يومه هذا إلا خيرا . ثم دفع رفاعة بن زيد كتابه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان كتبه له . فقال : دونك يا رسول الله قديما كتابه ، حديثا غدره . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقرأه يا غلام ، وأعلن ؛ فلما قرأ كتابه استخبره ، فأخبروهم الخبر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف أصنع بالقتلى ؟ ( ثلاث مرات ) . فقال رفاعة : أنت يا رسول الله أعلم ، لا نحرم عليك حلالا ، ولا نحلل لك حراما ، فقال أبو زيد بن عمرو : أطلق لنا يا رسول الله من كان حيا ، ومن قتل فهو تحت قدمي هذه . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : صدق أبو زيد ، اركب معهم يا علي . فقال له علي رضي الله عنه : إن زيدا لن يطيعني يا رسول الله ، قال : فخذ سيفي هذا ، فأعطاه سيفه ، فقال علي : ليس لي يا رسول الله راحلة أركبها ، فحملوه على بعير لثعلبة بن عمرو ، يقال له مكحال ، فخرجوا ، فإذا رسول لزيد بن حارثة على ناقة [ ص: 616 ] من إبل أبي وبر ، يقال لها : الشمر ، فأنزلوه عنها . فقال : يا علي ما شأني ؟ فقال : ما لهم ، عرفوه فأخذوه ، ثم ساروا فلقوا الجيش بفيفاء الفحلتين ، فأخذوا ما في أيديهم ، حتى كانوا ينزعون لبيد المرأة من تحت الرحل فقال أبو جعال حين فرغوا من شأنهم :


وعاذلة ولم تعذل بطب     ولولا نحن حش بها السعير
تدافع في الأسارى بابنتيها     ولا يرجى لها عتق يسير
ولو وكلت إلى عوص وأوس     لحار بها عن العتق الأمور
ولو شهدت ركائبنا بمصر     تحاذر أن يعل بها المسير
وردنا ماء يثرب عن حفاظ     لربع إنه قرب ضرير
بكل مجرب كالسيد نهد     على أقتاد ناجية صبور
فدى لأبي سليمى كل جيش     بيثرب إذ تناطحت النحور
غداة ترى المجرب مستكينا     خلاف القوم هامته تدور



قال ابن هشام : قوله : ولا يرجى لها عتق يسير : وقوله : عن العتق الأمور عن غير ابن إسحاق .

تمت الغزاة ، وعدنا إلى تفصيل ذكر السرايا والبعوث .

قال ابن إسحاق : وغزوة زيد بن حارثة أيضا الطرف من ناحية نخل . من طريق العراق .

التالي السابق


الخدمات العلمية