صفحة جزء
[ وصية أبي بكر رافع بن رافع ]

قال : وكان من الحديث في هذه الغزاة ، أن رافع بن أبي رافع الطائي ، وهو رافع بن عميرة ، كان يحدث فيما بلغني عن نفسه ، قال : كنت امرأ نصرانيا ، وسميت سرجس ، فكنت أدل الناس وأهداهم بهذا الرمل ، كنت أدفن الماء في بيض النعام بنواحي الرمل في الجاهلية ، ثم أغير على إبل الناس ، فإذا أدخلتها الرمل غلبت عليها ، فلم يستطع أحد أن يطلبني فيه ، حتى أمر بذلك الماء الذي خبأت في بيض النعام فأستخرجه ، فأشرب منه ؛ فلما أسلمت خرجت في تلك الغزوة التي بعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل ؛ قال : فقلت : والله لأختارن لنفسي صاحبا ؛ قال : فصحبت أبا بكر ، قال : فكنت معه في رحله ، قال : وكانت عليه عباءة له فدكية ، فكان إذا نزلنا بسطها وإذا ركبنا لبسها ، ثم شكها عليه بخلال له ، قال : وذلك الذي له يقول أهل نجد حين ارتدوا كفارا : نحن نبايع ذا العباءة قال : فلما دنونا من المدينة قافلين ، قال : قلت : يا أبا بكر ، إنما صحبتك لينفعني الله بك ، فانصحني وعلمني ، قال : لو لم تسألني ذلك لفعلت ، قال : آمرك أن توحد الله ولا تشرك به شيئا ، وأن تقيم الصلاة ، وأن تؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج هذا البيت ، وتغتسل من الجنابة ، ولا تتأمر على رجل من المسلمين أبدا . قال : قلت : يا أبا بكر ، أما أنا والله فإني أرجو أن لا أشرك بالله أحدا أبدا ؛ وأما الصلاة فلن أتركها أبدا إن شاء الله ؛ وأما الزكاة فإن يك لي مال أؤدها إن شاء الله ؛ وأما رمضان فلن أتركه أبدا إن شاء الله ؛ وأما الحج فإن أستطع أحج إن شاء الله تعالى ؛ وأما الجنابة فسأغتسل منها إن شاء الله ؛ وأما الإمارة فإني رأيت الناس يا أبا بكر لا يشرفون عند رسول الله [ ص: 625 ] صلى الله عليه وسلم وعند الناس إلا بها ، فلم تنهاني عنها ؟ قال : إنك إنما استجهدتني لأجهد لك ، وسأخبرك عن ذلك : إن الله عز وجل بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بهذا الدين ، فجاهد عليه حتى دخل الناس فيه طوعا وكرها ، فلما دخلوا فيه كانوا عواذ الله وجيرانه ، وفي ذمته ، فإياك لا تخفر الله في جيرانه ، فيتبعك الله خفرته ، فإن أحدكم يخفر في جاره ؛ فيظل ناتئا عضله ، غضبا لجاره أن أصيبت له شاة أو بعير ، فالله أشد غضبا لجاره . قال : ففارقته على ذلك .

قال : فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمر أبو بكر على الناس ، قال : قدمت عليه ، فقلت له : يا أبا بكر ، ألم تك نهيتني عن أن أتأمر على رجلين من المسلمين ؟ قال : بلى ، وأنا الآن أنهاك عن ذلك ؛ قال : فقلت له : فما حملك على أن تلي أمر الناس ؟ قال : لا أجد من ذلك بدا ، خشيت على أمة محمد صلى الله عليه وسلم الفرقة

التالي السابق


الخدمات العلمية