ابتداء وقوع النصرانية بنجران  [ فيميون وصالح ونشر النصرانية بنجران ] 
قال 
ابن إسحاق    : حدثني 
المغيرة بن أبي لبيد مولى الأخنس  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه اليماني  أنه حدثهم :  
[ ص: 32 ] أن موقع ذلك الدين 
بنجران  كان أن رجلا من بقايا أهل دين 
عيسى ابن مريم  يقال له 
فيميون  ، وكان رجلا صالحا مجتهدا زاهدا في الدنيا ، مجاب الدعوة ، وكان سائحا ينزل بين القرى ، لا يعرف بقرية إلا خرج منها إلى قرية لا يعرف بها ، وكان لا يأكل إلا من كسب يديه ، وكان بناء يعمل الطين وكان يعظم الأحد ، فإذا كان يوم الأحد لم يعمل فيه شيئا ، وخرج إلى فلاة من الأرض يصلي بها حتى يمسي . 
قال : وكان في قرية من قرى 
الشام  يعمل عمله ذلك مستخفيا ، ففطن لشأنه رجل من أهلها يقال له 
صالح  ، فأحبه 
صالح  حبا لم يحبه شيئا كان قبله ، فكان يتبعه حيث ذهب ، ولا يفطن له 
فيميون    : حتى خرج مرة في يوم الأحد إلى فلاة من الأرض ، كما كان يصنع ، وقد اتبعه 
صالح  وفيميون  لا يدري فجلس 
صالح  منه منظر العين مستخفيا منه ، لا يحب أن يعلم بمكانه . 
وقام 
فيميون  يصلي ، فبينما هو يصلي إذ أقبل نحوه التنين - الحية ذات الرءوس السبعة - فلما رآها 
فيميون  دعا عليها فماتت ، ورآها 
صالح  ولم يدر ، ما أصابها فخافها عليه ، فعيل عوله ، فصرخ : يا 
فيميون  ، التنين قد أقبل نحوك ، فلم يلتفت إليه ، وأقبل على صلاته حتى فرغ منها ، وأمسى فانصرف . 
وعرف أنه قد عرف ، وعرف 
صالح  أنه قد رأى مكانه ، فقال ( له : يا ) 
فيميون  ، تعلم والله أني ما أحببت شيئا قط حبك ، وقد أردت صحبتك ، والكينونة معك حيث كنت ، فقال : ما شئت أمري كما ترى ، فإن علمت أنك تقوى عليه فنعم ؟ فلزمه 
صالح    . 
وقد كاد أهل القرية يفطنون لشأنه ، وكان إذا فاجأه العبد به الضر دعا له فشفي ، وإذا دعي إلى أحد به ضر لم يأته ، وكان لرجل من أهل القرية ابن ضرير ، فسأل عن شأن 
فيميون  فقيل له : إنه لا يأتي أحدا دعاه ولكنه رجل يعمل للناس البنيان بالأجر . 
فعمد الرجل إلى ابنه ذلك فوضعه في حجرته وألقى عليه ثوبا ، تم جاءه فقال له :   
[ ص: 33 ] يا 
فيميون  ، إني قد أردت أن أعمل في بيتي عملا ، فانطلق معي إليه حتى تنظر إليه ، فأشارطك عليه . فانطلق معه ، حتى دخل حجرته ، ثم قال له : ما تريد أن تعمل في بيتك هذا ؟ قال : كذا وكذا ، ثم انتشط الرجل الثوب عن الصبي ، ثم قال له : يا 
فيميون  ، عبد من عباد الله أصابه ما ترى ، فادع الله له . 
فدعا له 
فيميون  ، فقام الصبي ليس به بأس . وعرف 
فيميون  أنه قد عرف ، فخرج من القرية واتبعه 
صالح  ، فبينما هو يمشي في بعض 
الشام  إذ مر بشجرة عظيمة . فناداه منها رجل ، فقال : يا 
فيميون  ؛ قال : نعم ، قال : ما زلت أنظرك وأقول متى هو جاء ، حتى سمعت صوتك ، فعرفت أنك هو ، لا تبرح حتى تقوم علي ، فإني ميت الآن ، قال : فمات وقام عليه حتى واراه ثم انصرف ، وتبعه 
صالح  ، حتى وطئا بعض أرض العرب . فعدوا عليهما . 
فاختطفتهما سيارة من بعض العرب ، فخرجوا بهما حتى باعوهما 
بنجران  وأهل نجران  يومئذ على دين العرب ، يعبدون نخلة طويلة بين أظهرهم ، لها عيد في كل سنة ، إذا كان ذلك العيد علقوا عليها كل ثوب حسن وجدوه ، وحلي النساء ، ثم خرجوا إليها فعكفوا عليها يوما . فابتاع 
فيميون  رجل من أشرافهم ، وابتاع 
صالحا  آخر . 
فكان 
فيميون  إذا قام من الليل يتهجد في بيت له - أسكنه إياه سيده - يصلي ، استسرج له البيت نورا حتى يصبح من غير مصباح ، فرأى ذلك سيده ، فأعجبه ما يرى منه ، فسأله عن دينه ، فأخبره به ، وقال له 
فيميون    : إنما أنتم في باطل ، إن هذه النخلة لا تضر ولا تنفع ، ولو دعوت عليها إلهي الذي أعبده لأهلكها ، وهو الله وحده لا شريك له . قال : فقال له سيده : فافعل ، فإنك إن فعلت دخلنا في دينك ، وتركنا ما نحن عليه . 
قال : فقام 
فيميون  ، فتطهر وصلى ركعتين ، ثم دعا الله عليها ، فأرسل الله عليها ريحا فجعفتها من أصلها فألقتها ، فاتبعه عند ذلك 
أهل نجران  على دينه ، فحملهم على الشريعة من دين 
عيسى ابن مريم  عليه السلام ، ثم دخلت عليهم الأحداث التي دخلت على أهل   
[ ص: 34 ] دينهم بكل أرض ، فمن هنالك كانت النصرانية 
بنجران  في أرض العرب قال 
ابن إسحاق    : فهذا حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه  عن 
أهل نجران    .