صفحة جزء
وممن يذكر أنه توفي في هذه السنة تقريبا

أرطاة بن زفر بن عبد الله بن مالك بن شداد بن ضمرة بن [ ص: 398 ] عقفان بن أبي حارثة بن مرة بن نشبة بن غيظ بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان ، أبو الوليد المري

ويعرف بابن سهية ، وهي أمه بنت زامل بن مروان بن زهير بن ثعلبة بن خديج بن أبي جشم بن كعب بن عوف بن عامر بن عوف
، سبية من كلب ، وكانت عند ضرار بن الأزور ، ثم صارت إلى زفر - وهي حامل - فأتت بأرطاة على فراشه ، وقد عمر أرطاة دهرا طويلا حتى جاوز المائة بثلاثين سنة ، وقد كان سيدا شريفا مطاعا ممدحا شاعرا مطبقا .

قال المدائني : ويقال : إن بني عقفان بن حنظلة بن رواحة بن ربيعة بن مازن بن الحارث بن قطيعة بن دعبس ، دخلوا في بني مرة بن نشبة ، فقالوا : بني عقفان بن أبي حارثة بن مرة .

وقد وفد أبو الوليد أرطاة بن زفر هذا على عبد الملك بن مروان ، فأنشده [ ص: 399 ] أبياتا :


رأيت المرء تأكله الليالي كأكل الأرض ساقطة الحديد     وما تبقي المنية حين تأتي
على نفس ابن آدم من مزيد     وأعلم أنها ستكر حتى
توفي نذرها بأبي الوليد

قال : فارتاع عبد الملك ، وظن أنه عناه بذلك ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إنما عنيت نفسي ، فقال عبد الملك : وأنا والله سيمر بي الذي يمر بك . وزاد بعضهم هذه الأبيات :


خلقنا أنفسا وبني نفوس     ولسنا بالسلام ولا الحديد
لئن فجعت بالقرناء يوما     لقد متعت بالأمل البعيد

وهو القائل :


وإني لقوام لدى الضيف موهنا     إذا أسبل الستر البخيل المواكل
دعا فأجابته كلاب كثيرة     على ثقة مني بأني فاعل
وما دون ضيفي من تلاد تحوزه     لي النفس إلا أن تصان الحلائل

[ ص: 400 ] يونس بن عطية الحضرمي

قاضي مصر ، وصاحب الشرطة في أيام عبد العزيز بن مروان ، ثم تولى بعده القضاء ابن أخيه أوس بن عبد الله .

مطرف بن عبد الله بن الشخير

كان من كبار التابعين ، وكان من أصحاب عمران بن حصين ، وكان مجاب الدعوة ، وكان يقول : ما أوتي أحد أفضل من العقل ، وعقول الناس على قدر زمانهم ، وقال : إذا استوت سريرة العبد وعلانيته قال الله : هذا عبدي حقا . وقال : إذا دخلتم على مريض فإن استطعتم أن يدعو لكم ، فإنه قد حرك - أي : قد أوقظ من غفلته بسبب مرضه - فدعاؤه مستجاب من أجل كسره ورقة قلبه ، وقال : إن أقبح ما طلبت به الدنيا عمل الآخرة .

وقال لبعض إخوانه : إذا كانت لك إلي حاجة ، فلا تكلمني فيها ; فإني أكره أن أرى ذل السؤال في وجهك ، ولكن اكتبها في رقعة وارفعها . وكان يقول : إن هذا الموت قد أفسد على أهل النعم نعيمهم ، فاطلبوا نعيما لا موت فيه .

وقال : لو علمت متى أجلي ، لخشيت على ذهاب عقلي ، ولكن الله من على عباده بالغفلة عن الموت ، ولولا الغفلة لما تهنوا بعيش ، ولا قامت بينهم الأسواق .

وكان مطرف إذا دخل بيته ، سبحت معه آنية بيته .

وكان يسكن البادية ، ويجيء منها إلى الجمعة مبكرا ، فمر مرة بمقبرة ، فنعس [ ص: 401 ] فنام عند القبور ، فرأى في منامه أهل القبور على أفواه قبورهم ، فقالوا : هذا مطرف يذهب إلى الجمعة . قال : فقلت لهم : وتعرفون الجمعة من غيرها ؟ قالوا : نعم ، ونعرف ما يقول الطير في جو السماء .

قال : فقلت : وما تقول ؟ قالوا : تقول : سلام سلام ليوم صالح .

وكان يقول : يا إخوتاه ، اجتهدوا في الأعمال الصالحة ; فإن يكن الأمر كما نرجو من رحمة الله ، كان لنا درجات في الجنة ، وإن يكن الأمر شديدا كما نخاف لم نقل : ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل نقول : قد عملنا فلم ينفعنا .

وكان يدعو : اللهم ارض عنا ، فإن لم ترض عنا ، فاعف عنا ، فإن المولى قد يعفو عن العبد ، وهو عنه غير راض .

وكان مطرف قد حفر في داره قبرا ، كان كل يوم ينزل إليه ، فيصلي فيه ، ويقرأ القرآن .

توفي مطرف بالبصرة ، وكان له منزلة عند الخلفاء والملوك والأمراء ، وكان هو من أرشد الناس فيهم ، وكان مجاب الدعوة ; كذب عليه رجل عند بعض الأمراء ، فقال مطرف : يا هذا ، إن كنت كاذبا عجل الله حتفك . فوقع الرجل ميتا مكانه . والله سبحانه أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية