صفحة جزء
[ ص: 61 ] ثم دخلت سنة ثنتي عشرة ومائة .

فيها غزا معاوية بن هشام الصائفة فافتتح حصونا من ناحية ملطية .

وفيها سارت الترك من اللان فلقيهم الجراح بن عبد الله الحكمي فيمن معه من أهل الشام وأذربيجان فاقتتلوا قبل أن يتكامل إليه جيشه ، فاستشهد الجراح ، رحمه الله ، وجماعة معه بمرج أردبيل وأخذ العدو أردبيل . فلما بلغ ذلك هشام بن عبد الملك بعث سعيد بن عمرو الحرشي في جيش سريعا ، فلحق الترك وهم يسيرون بأسارى المسلمين إلى نحو ملكهم خاقان ، فاستنقذ منهم من كان معهم من المسلمين ومن أهل الذمة أيضا ، وقتل في الترك مقتلة عظيمة جدا ، وأسر منهم خلقا كثيرا ، فقتلهم صبرا ، وشفى ما كان تغلث من القلوب ، ولم يكتف هشام بن عبد الملك بذلك حتى أرسل أخاه مسلمة بن عبد الملك في أثر الترك فسار إليهم في برد شديد وشتاء عظيم ، فوصل إلى باب الأبواب ، واستخلف عنده أميرا ، وسار هو بمن معه في طلب الأتراك وملكهم خاقان ، وكان من أمره معهم ما سنذكره ، ونهض أمير خراسان في طلب الأتراك أيضا في جيش كثيف ، فوصل إلى نهر بلخ ووجه إليهم سرية ; ثمانية عشر ألفا ، وأخرى عشرة آلاف يمنة ويسرة ، [ ص: 62 ] وجاشت الترك فأتوا سمرقند ، فكتب أميرهم إليه يعلمه بهم ، وأنه لا يقدر على صون سمرقند منهم ، ومعهم ملكهم الأعظم خاقان ، فالغوث الغوث . فسار الجنيد مسرعا في جيش كثيف نحو سمرقند ، حتى وصل إلى شعب سمرقند ، وبقي بينه وبينها أربعة فراسخ ، فصبحه خاقان في جمع عظيم ، فحمل خاقان على مقدمة الجنيد فانحازوا إلى العسكر ، والترك تتبعهم من كل جانب ، فتراءى الجمعان والمسلمون يتغدون ، ولا يشعرون بانهزام مقدمتهم وانحيازها إليهم ، فنهضوا إلى السلاح ، واصطفوا على منازلهم ، وذلك في مجال واسع ، ومكان بارز فالتقوا ، فحملت الترك على الميمنة ، وفيها بنو تميم والأزد فقتل منها ومن غيرهم خلق كثير ممن أراد الله كرامته بالشهادة ، وقد برز بعض شجعان المسلمين لجماعة من شجعان الترك فقتلهم ، فناداه ترجمان الملك : إن صرت إلينا جعلناك فيمن يرفض الصنم الأعظم فنعبدك . فقال : ويحكم ! إنما أقاتلكم على أن تعبدوا الله وحده لا شريك له . ثم قاتلهم حتى قتل ، رحمه الله .

ثم تناخى المسلمون ، وتداعت الأبطال والشجعان من كل مكان ، وصبروا وصابروا ، وحملوا على الترك حملة رجل واحد فهزمهم الله عز وجل ، وقتلوا منهم خلقا كثيرا ، ثم عطفت الترك عليهم ، فقتلوا من المسلمين خلقا حتى لم يبق سوى ألفين ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وقتل يومئذ سودة بن أبجر واستأسروا من المسلمين جماعة كثيرة ، فحملوهم إلى الملك خاقان ، فأمر بقتلهم عن آخرهم ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وهذه الوقعة يقال لها : وقعة الشعب . وقد بسطها ابن جرير جدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية