صفحة جزء
[ ص: 76 ] ثم دخلت سنة سبع عشرة ومائة

فيها غزا معاوية بن هشام الصائفة اليسرى وسليمان بن هشام الصائفة اليمنى .

وفيها بعث مروان بن محمد - وهو على إرمينية - بعثين ، ففتح حصونا من بلاد اللان ونزل كثير منهم على الإيمان .

وفيها عزل هشام عاصم بن عبد الله الهلالي عن إمرة خراسان ، وضمها إلى خالد بن عبد الله القسري مع العراق معادة إليه ، جريا على ما سبق له من العادة ; وكان ذلك عن كتاب عاصم بن عبد الله الهلالي : إن ولاية خراسان لا تصلح إلا مع ولاية العراق . فأجابه هشام إلى ذلك قبولا لنصيحته .

وفيها توفي

قتادة بن دعامة السدوسي أبو الخطاب البصري الأعمى أحد علماء التابعين والأئمة العاملين ، روى عن أنس بن مالك وجماعة من التابعين ، منهم سعيد بن المسيب ، وأبو العالية ، وزرارة بن أوفى ، وعطاء ، ومجاهد ، ومحمد بن سيرين ، ومسروق ، وأبو مجلز وغيرهم . وحدث عنه جماعات من الكبار كأيوب ، وحماد بن مسلمة ، وحميد الطويل ، وسعيد بن أبي عروبة [ ص: 77 ] والأعمش ، وشعبة ، والأوزاعي ، والليث ، ومسعر ، ومعمر ، وهمام .

قال ابن المسيب : ما جاءني عراقي أفضل منه . وقال بكر المزني : ما رأيت أحفظ منه . وقال محمد بن سيرين : هو من أحفظ الناس . وقال مطر الوراق : كان قتادة إذا سمع الحديث يأخذه العويل والزويل حتى يحفظه . وقال الزهري : هو أعلم من مكحول . وقال معمر : ما رأيت أفقه من الزهري ، وحماد ، وقتادة . وقال قتادة : ما سمعت شيئا إلا وعاه قلبي .

وقال أحمد بن حنبل : هو أحفظ أهل البصرة ، لا يسمع شيئا إلا حفظه ، وقرئ عليه صحيفة جابر مرة واحدة فحفظها ، وكان من العلماء . وذكر يوما ، فأثنى على علمه وفقهه ومعرفته بالاختلاف والتفسير وغير ذلك . وقال : قلما تجد من يتقدمه ، أما المثل فلعل !

وقال أبو حاتم : كانت وفاته بواسط في الطاعون - يعني في هذه السنة - وعمره ست أو سبع وخمسون سنة .

وفيها توفي أبو الحباب سعيد بن يسار ، والأعرج ، وابن أبي مليكة [ ص: 78 ] وعبد الله بن أبي زكريا الخزاعي ، وميمون بن مهران ، وموسى بن وردان .

ونافع مولى ابن عمر

أبو عبد الله المدني
أصله من بلاد المغرب وقيل : من نيسابور . وقيل : من كابل . وقيل غير ذلك . روى عن مولاه عبد الله بن عمر وجماعة من الصحابة ; مثل رافع بن خديج ، وأبي سعيد ، وأبي هريرة وعائشة وأم سلمة وغيرهم ، وروى عنه خلق من التابعين وغيرهم ، وكان من الثقات النبلاء والأئمة الأجلاء .

قال البخاري : أصح الأسانيد مالك ، عن نافع عن ابن عمر . وقال غيره : كان عمر بن عبد العزيز قد بعثه إلى مصر يعلم الناس السنن . وقد أثنى عليه غير واحد من الأئمة ووثقوه . ومات في هذه السنة على المشهور . رحمه الله .

وممن توفي في سنة سبع عشرة ومائة :

ذو الرمة الشاعر


واسمه غيلان بن عقبة بن بهيش من بني عبد مناة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر [ ص: 79 ] أبو الحارث أحد فحول الشعراء ، وله ديوان مشهور ، وكان يتغزل في مية بنت مقاتل بن طلبة بن قيس بن عاصم المنقري وكانت جميلة ، وكان هو دميم الخلق ، أسود اللون ، ولم يكن بينهما فحش ولا خنا ، ولم يكن رآها قط ولا رأته ، وإنما كانت تسمع به ويسمع بها ، ويقال : إنها كانت تنذر إن هي رأته أن تذبح جزورا ، فلما رأته قالت : واسوأتاه واسوأتاه . ولم تبد له وجهها قط إلا مرة واحدة ، فأنشأ يقول :


على وجه مي مسحة من حلاوة وتحت الثياب العار لو كان باديا

قال : فانسلخت من ثيابها ، فأنشأ يقول :


ألم تر أن الماء يخبث طعمه     وإن كان لون الماء أبيض صافيا

فقالت : تريد أن تذوق طعمه ؟ فقال : إي والله . فقالت : تذوق الموت قبل أن تذوقه . فأنشأ يقول :


فواضيعة الشعر الذي لج وانقضى     بمي ولم أملك ضلال فؤاديا

قال القاضي ابن خلكان : ومن شعره السائر بين الناس ما أنشده :


إذا هبت الأرواح من نحو جانب به     أهل مي هاج قلبي هبوبها
[ ص: 80 ] هوى تذرف العينان منه وإنما     هوى كل نفس أين حل حبيبها

وأنشد عند الموت :


يا قابض الروح عن نفسي إذا احتضرت     وغافر الذنب زحزحني عن النار



التالي السابق


الخدمات العلمية