ذكر 
مهلك  nindex.php?page=showalam&ids=12149أبي مسلم الخراساني  
في هذه السنة ذكر أن 
أبا مسلم  لما نفر الناس من الحجيج سبق الناس بمرحلة ، فلما جاءه خبر 
السفاح  في الطريق ، كتب إلى 
 nindex.php?page=showalam&ids=15337أبي جعفر المنصور  يعزيه في الخليفة ، ولم يهنئه بالخلافة ، ولا رجع إليه ، فغضب 
المنصور  من ذلك مع ما كان مضمرا له من السوء ، فقال 
لأبي أيوب    : اكتب إليه كتابا غليظا . فلما بلغه الكتاب بعث يهنئه بالخلافة ، وانقمع من ذلك ، وقال بعض الأمراء 
لأبي جعفر    : إنا نرى من المصلحة أن لا تجامعه في الطريق; فإن معه من الجنود من لا يخالفه وهم له أهيب ، وليس معك أحد . فأخذ برأيه ، ثم كان من أمره في مبايعته 
 nindex.php?page=showalam&ids=15337لأبي جعفر المنصور  ما ذكرناه ، ثم بعثه إلى عمه 
عبد الله بن علي  فكسره ، كما تقدم ، وقد بعث في غبون ذلك 
الحسن بن قحطبة  لأبي أيوب  كاتب رسائل 
المنصور  يشافهه ويخبره بأن 
أبا مسلم  يتهم في 
 nindex.php?page=showalam&ids=15337أبي جعفر المنصور;  فإنه إذا جاءه الكتاب منه يقرؤه ثم يلوي شدقيه ، ويرمي بالكتاب إلى 
أبي نصر ،  ويضحكان استهزاء ، فقال 
أبو أيوب    : إن تهمة 
أبي مسلم  عندنا أظهر من هذا .   
[ ص: 307 ] ولما بعث 
أبو جعفر  مولاه 
أبا الخصيب يقطين;  ليحتاط على ما أصيب من معسكر 
عبد الله  من الأموال والجواهر الثمينة وغيرها ، غضب 
أبو مسلم ،  فشتم 
أبا جعفر ،  وهم 
بأبي الخصيب  أن يقتله ، حتى كلم فيه وقيل له : إنما هو رسول . فتركه ، ورجع 
أبو الخصيب ،  فأخبر 
المنصور  بما كان ، وبما هم به 
أبو مسلم  من قتله ، فغضب 
المنصور ،  وخشي أن يذهب 
أبو مسلم  إلى 
خراسان  فيشق عليه تحصيله بعد ذلك ، فكتب إليه مع 
يقطين    : إني قد وليتك 
الشام ومصر ،  وهما خير من 
خراسان  فابعث إلى 
مصر  من شئت ، وأقم أنت 
بالشام;  لتكون أقرب إلى أمير المؤمنين ، إذا أراد لقاءك كنت منه قريبا . فغضب 
أبو مسلم  من ذلك ، وقال : قد ولاني 
الشام ومصر ،  ولي 
خراسان    ! فإذا أذهب إليها ، وأستخلف على 
الشام ومصر    . فكتب إلى 
المنصور  بذلك ، فقلق 
المنصور  من ذلك كثيرا ، ورجع 
أبو مسلم  من 
الشام  قاصدا 
خراسان  ، وهو عازم على مخالفة 
المنصور ،  فخرج 
المنصور  من 
الأنبار  إلى 
المدائن ،  وكتب إلى 
أبي مسلم  بالمصير إليه ، فكتب إليه 
أبو مسلم  وهو على 
الزاب  عازم على الدخول إلى 
خراسان    : إنه لم يبق لأمير المؤمنين عدو إلا أمكنه الله منه ، وقد كنا نروي عن ملوك 
آل ساسان  أن أخوف ما يكون الوزراء إذا سكنت الدهماء ، فنحن نافرون من قربك ، حريصون على الوفاء بعهدك ما وفيت ، حريون بالسمع والطاعة غير أنها من بعيد حيث تقارنها السلامة ، فإن أرضاك ذلك فأنا كأحسن عبيدك ، وإن أبيت إلا أن تعطي نفسك إرادتها نقضت ما أبرمت من عهدك ضنا بنفسي . فلما وصل الكتاب إلى 
المنصور  كتب إلى 
أبي مسلم :  قد فهمت كتابك ، وليست صفتك صفة أولئك الوزراء الغششة ملوكهم ، الذين يتمنون اضطراب حبل الدولة لكثرة جرائمهم ، وإنما راحتهم في انتثار نظام الجماعة ، فلم سويت نفسك بهم ، وأنت في طاعتك   
[ ص: 308 ] ومناصحتك واضطلاعك بما حملت من أعباء هذا الأمر على ما أنت به؟! وليس مع الشريطة التي أوجبت منك سمع ولا طاعة ، وقد حمل أمير المؤمنين 
عيسى بن موسى  رسالة لتسكن إليها إن أصغيت إليها ، وأسأل الله أن يحول بين الشيطان ونزغاته وبينك; فإنه لم يجد بابا يفسد به نيتك أوكد عنده وأقرب من ظنه من الباب الذي فتحه عليك . 
ويقال : إن 
أبا مسلم  كتب إلى 
المنصور    : أما بعد; فإني اتخذت رجلا إماما ودليلا على ما افترض الله على خلقه ، وكان في محلة العلم نازلا ، وفي قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قريبا ، فاستجهلني بالقرآن ، فحرفه عن مواضعه طمعا في قليل قد نعاه الله إلى خلقه ، فكان كالذي دلي بغرور ، وأمرني أن أجرد السيف ، وأرفع الرحمة ، ولا أقبل المعذرة ، ولا أقيل العثرة ، ففعلت توطيدا لسلطانكم حتى عرفكم الله من كان يجهلكم ، ثم استنقذني الله بالتوبة ، فإن يعف عني فقدما عرف به ونسب إليه ، وإن يعاقبني فبما قدمت يداي ، وما الله بظلام للعبيد . ذكره 
المدائني  عن شيوخه . 
وبعث 
المنصور  إليه 
جرير بن يزيد بن جرير بن عبد الله البجلي    - وكان واحد أهل زمانه - في جماعة من الأمراء ، وقد كان 
المنصور  قال له : كلم 
أبا مسلم   [ ص: 309 ] بألين كلام تقدر عليه ، وقل له : إنه يريد رفعك ، وعلو قدرك ، والإطلاق لك . فإن جاء بهذا فذاك ، وإن أبى أن يرجع فقل : إنه يقول : هو بريء من 
العباس ،  إن شققت العصا وذهبت على وجهك هذا ليدركنك بنفسه وليلين قتالك دون غيره ، ولو خضت البحر الخضم لخاضه خلفك حتى يدركك فيقتلك أو يموت قبل ذلك . ولا تقل له هذا حتى تيأس من رجوعه بالتي هي أحسن ، فلما قدم عليه أمراء 
المنصور  بحلوان  دخلوا عليه ولاموه فيما هو فيه من منابذة أمير المؤمنين ، ورغبوه في الرجوع إليه ، فشاور ذوي الرأي من أمرائه ، فكل نهاه عن الرجوع إليه ، وأشاروا بأن يقيم في الري فتكون 
خراسان  تحت حكمه ، وجنوده طوع له ، فإن استقام له الخليفة وإلا كان في عز ومنعة من الجند . فأرسل 
أبو مسلم  إلى أمراء 
المنصور ،  فقال لهم : ارجعوا إلى صاحبكم ، فلست ألقاه . فلما استيأسوا منه قالوا له ذلك الكلام الذي كان 
المنصور  أمرهم به . فلما سمع ذلك كسره جدا ، وقال : قوموا عني الساعة . 
وكان 
أبو مسلم  قد استخلف على 
خراسان  أبا داود خالد بن إبراهيم ،  فكتب إليه 
المنصور  في غيبة 
أبي مسلم  حين اتهمه : إن ولاية 
خراسان  لك ما بقيت . فكتب 
أبو داود  إلى 
أبي مسلم  حين بلغه ما عزم عليه من منابذة الخليفة : إنه ليس لنا منابذة خلفاء بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فارجع إلى إمامك سامعا مطيعا . فزاده ذلك كسرا أيضا ، فبعث إليهم 
أبو مسلم :  إني سأبعث إليه 
أبا إسحاق ،   [ ص: 310 ] وهو ممن أثق به . فبعثه إليه فأكرمه ، ووعده بنيابة 
خراسان  إن هو رده . فلما رجع إليه 
أبو إسحاق  قال له : ما وراءك؟ قال : رأيتهم معظمين لك يعرفون قدرك . فغره ذلك ، وعزم على الذهاب إلى الخليفة ، فاستشار أميرا يقال له : 
نيزك    . فنهاه ، فصمم على الذهاب ، فلما رآه 
نيزك  عازما على الذهاب تمثل 
نيزك  بقول الشاعر : 
ما للرجال مع القضاء محالة ذهب القضاء بحيلة الأقوام 
ثم قال له : احفظ عني واحدة . قال : وما هي؟ قال : إذا دخلت عليه فاقتله ، ثم بايع من شئت بالخلافة; فإن الناس لا يخالفونك . وكتب 
أبو مسلم  إلى 
المنصور  يعلمه بقدومه عليه . 
قال 
أبو أيوب  كاتب الرسائل : فدخلت على 
المنصور  وهو في خباء شعر بالرومية جالسا على مصلاه بعد العصر ، وبين يديه كتاب ، فألقاه إلي فإذا هو كتاب 
أبي مسلم  إليه ، ثم قال الخليفة : والله لئن ملأت عيني منه لأقتلنه . قال 
أبو أيوب :  فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون . وبت تلك الليلة لا يأتيني نوم ، وفكرت في هذه الواقعة ، وقلت : إن دخل 
أبو مسلم  خائفا ربما يبدو أنه يبدر منه شيء إلى الخليفة ، والمصلحة أن يدخل آمنا ليتمكن منه الخليفة . فلما أصبحت طلبت رجلا من الأمراء ، وقلت له : هل لك أن تتولى مدينة كسكر; فإنها مغلة في هذه   
[ ص: 311 ] السنة؟ فقال : ومن لي بذلك؟ فقلت له : فاذهب إلى 
أبي مسلم ،  فتلقه في الطريق ، فاطلب منه أن يوليك تلك البلد; فإن أمير المؤمنين يريد أن يوليه ما وراء بابه ويستريح لنفسه . واستأذنت 
المنصور  له أن يذهب إلى 
أبي مسلم ،  فأذن له ، وقال له : سلم عليه ، وقل له : إنا بالأشواق إليه . فسار ذلك الرجل - وهو 
سلمة بن سعيد بن جابر    - إلى 
أبي مسلم ،  فأخبره باشتياق الخليفة إليه فسره ذلك وانشرح ، وإنما هو غرور ومكر به ، فلما سمع 
أبو مسلم  بذلك عجل السير ، فلما قرب من 
المدائن  أمر الخليفة القواد والأمراء أن يتلقوه ، وكان دخوله على 
المنصور  من آخر ذلك اليوم ، وقد أشار 
أبو أيوب  على 
المنصور  أن يؤخر قتله في ساعته هذه إلى الغد ، فقبل ذلك منه ، فلما دخل 
أبو مسلم  على 
المنصور  من العشي ، قال : اذهب فأرح نفسك ، وادخل الحمام ، فإذا كان الغد فأتني . فخرج من عنده ، وجاءه الناس يسلمون عليه ، فلما كان الغد طلب الخليفة بعض الأمراء ، فقال له : كيف بلائي عندك؟ قال : والله يا أمير المؤمنين ، لو أمرتني أن أقتل نفسي لقتلتها . قال : فكيف بك إذا أمرتك بقتل 
أبي مسلم؟  قال : فوجم ساعة ، ثم قال له 
أبو أيوب :  ما لك لا تتكلم؟ فقال قولة ضعيفة : أقتله . ثم اختار له من عيون الحرس أربعة ، فحرضهم الخليفة على قتله ، وقال : كونوا من وراء الرواق ، فإذا صفقت فاخرجوا عليه فاقتلوه . ثم أرسل الخليفة إلى 
أبي مسلم  رسلا تترى; يتبع بعضهم بعضا ، فأقبل 
أبو مسلم  فدخل دار الخلافة ، ثم دخل على الخليفة وهو يبتسم ، فلما وقف بين يديه جعل 
المنصور  يعاتبه في الذي صنع   
[ ص: 312 ] واحدة واحدة ، فيعتذر عن ذلك كله فيما كان اعتمده من الأمور التي تسرع فيها . ثم قال : يا أمير المؤمنين ، أرجو أن تكون نفسك قد طابت علي . فقال : والله ما زادني هذا إلا غضبا عليك . ثم ضرب بإحدى يديه على الأخرى ، فخرج 
عثمان  وأصحابه ، فضربوه بالسيوف حتى قتلوه ، ولفوه في عباءة ، ثم أمر بإلقائه في 
دجلة ،  وكان آخر العهد به ، وكان مقتله في يوم الأربعاء لأربع بقين من شعبان سنة سبع وثلاثين ومائة . 
وكان من جملة ما عاتبه به 
المنصور  أنه قال : كتبت إلي مرات تبدأ بنفسك ، وأرسلت تخطب عمتي 
أمينة ،  وتزعم أنك 
ابن سليط بن عبد الله بن عباس    . إلى غير ذلك . فقال 
أبو مسلم    : يا أمير المؤمنين ، لا يقال هذا لي وقد سعيت في أمركم بما علمه كل أحد . فقال : ويلك! لو قامت في ذلك أمة سوداء لأتمه الله; لجدنا وحظنا . ثم قال : والله لأقتلنك . فقال : استبقني يا أمير المؤمنين لأعدائك . فقال : وأي عدو لي أعدى منك ؟! ثم أمر بقتله فقتل ، كما ذكرنا ، فقال له بعض الأمراء : يا أمير المؤمنين ، الآن صرت خليفة . ويقال : إن 
المنصور  أنشد عند ذلك :  
[ ص: 313 ] فألقت عصاها واستقر بها النوى     كما قر عينا بالإياب المسافر 
وذكر القاضي 
ابن خلكان  أن 
المنصور  لما عزم على قتل 
أبي مسلم  تحير في أمره; هل يستشير أحدا في ذلك أو يستبد هو برأيه; لئلا يشيع وينتشر ، ثم إنه استشار واحدا من نصحائه في قتل 
أبي مسلم  فقال : يا أمير المؤمنين ، قال الله تعالى : 
لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا   [ الأنبياء : 22 ] . فقال له : لقد أودعتها أذنا واعية . ثم عزم على ذلك .