[ ص: 336 ] ثم دخلت سنة إحدى وأربعين ومائة 
فيها خرجت طائفة يقال لهم : 
الراوندية    . على 
المنصور    . 
ذكر 
ابن جرير  عن 
المدائني  أن أصلهم من 
خراسان  ، وهم على رأي 
 nindex.php?page=showalam&ids=12149أبي مسلم الخراساني ،  كانوا يقولون بالتناسخ ، ويزعمون أن روح 
آدم  انتقلت إلى 
عثمان بن نهيك ،  وأن ربهم الذي يطعمهم ويسقيهم 
أبو جعفر المنصور ،  وأن 
الهيثم بن معاوية  جبريل    . قبحهم الله تعالى . قال : فأتوا يوما قصر 
المنصور ،  فجعلوا يطوفون به ويقولون : هذا قصر ربنا . فأرسل 
المنصور  إلى رؤسائهم ، فحبس منهم مائتين ، فغضبوا من ذلك وقالوا : علام تحبسهم؟ ثم عمدوا إلى نعش ، فحملوه على كواهلهم ، وليس عليه أحد واجتمعوا حوله ، كأنهم يشيعون جنازة ، فاجتازوا بباب السجن ، فألقوا النعش ودخلوا السجن قهرا ، واستخرجوا من فيه من أصحابهم ، وقصدوا نحو 
المنصور  وهم في ستمائة ، فتنادى الناس ، وغلقت أبواب البلد ، وخرج 
المنصور  من القصر ماشيا; لأنه لم يكن في القصر دابة يركبها ، ثم جيء بدابة فركبها وقصد نحو 
الراوندية ،  وجاء الناس من كل ناحية ، وجاء 
 nindex.php?page=showalam&ids=17125معن بن زائدة ،  فلما رأى أمير المؤمنين ترجل وأخذ بلجام دابة 
المنصور ،  وقال : يا أمير المؤمنين ، ارجع ونحن نكفيكهم . فأبى ، وقام أهل   
[ ص: 337 ] السوق إليهم فقاتلوهم ، وجاءت الجيوش فالتفوا عليهم من كل ناحية ، فحصدوهم عن آخرهم ، ولم يبق منهم بقية ، وجرحوا 
عثمان بن نهيك  بسهم بين كتفيه فمرض أياما ثم مات ، فولي الصلاة عليه الخليفة 
المنصور ،  وقام على قبره حتى دفن ، ودعا له ، وولى أخاه 
عيسى بن نهيك  على الحرس ، وكان ذلك كله بالمدينة 
الهاشمية  من 
الكوفة    . 
ولما فرغ 
المنصور  من قتال 
الراوندية  ذلك اليوم صلى بالناس الظهر في آخر وقتها ، ثم أتي بالطعام فقال : أين 
معن بن زائدة؟  وأمسك عن الطعام حتى جاء 
معن ،  فأجلسه إلى جانبه ، ثم أخذ في شكره لمن بحضرته; لما رأى من شهامته يومئذ ، فقال 
معن    : والله يا أمير المؤمنين ، لقد جئت وإني لوجل ، فلما رأيت استهانتك بهم وإقدامك عليهم قوي قلبي بذلك ، وما ظننت أن أحدا يكون في الحرب هكذا ، فذاك الذي شجعني يا أمير المؤمنين . فأمر له 
المنصور  بعشرة آلاف ، ورضي عنه ، وولاه 
اليمن ،  وكان 
 nindex.php?page=showalam&ids=17125معن بن زائدة  قبل ذلك مختفيا; لأنه قاتل 
المسودة  مع 
ابن هبيرة ،  فلم يظهر إلا في هذا اليوم . فلما رأى الخليفة صدقه في قتاله رضي عنه . 
ويقال : إن 
المنصور  قال : أخطأت في ثلاث; قتلت 
أبا مسلم  وأنا في جماعة قليلة ، وحين خرجت إلى 
الشام  ولو اختلف سيفان 
بالعراق  لذهبت الخلافة ، ويوم 
الراوندية  لو أصابني سهم غرب لذهبت ضياعا . وهذا من حزمه وصرامته . 
وفي هذه السنة ولى 
المنصور  ابنه 
 nindex.php?page=showalam&ids=15346محمدا المهدي  ولي عهده من بعده ، بلاد   
[ ص: 338 ] خراسان  ، وعزل عنها 
عبد الجبار بن عبد الرحمن ،  وذلك أنه قتل خلقا من شيعة الخليفة ، فشكاه 
المنصور  إلى 
أبي أيوب الخوزي  كاتب الرسائل ، فقال : يا أمير المؤمنين ، اكتب إليه ليبعث جيشا من 
خراسان  لغزو 
الروم ،  فإذا خرجوا من عنده بعثت إليه من شئت فأخرجوه منها ذليلا ليس عنده كثير أحد . فكتب إليه 
المنصور  بذلك ، فرد الجواب بأن بلاد 
خراسان  قد عاثت بها الأتراك ، ومتى خرج منها جيش فسد أمرها . فقال 
المنصور  لأبي أيوب    : ماذا ترى؟ قال : فاكتب إليه بأن بلاد 
خراسان  أحق بالمدد من غيرها ، وقد جهزت إليك بالجنود فأجاب بأن بلاد 
خراسان  في هذا العام مضيقة أقواتها ، ومتى دخلها جيش أفسدها . فقال الخليفة 
لأبي أيوب    : ما تقول؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، هذا رجل قد أبدى صفحته وخلع ، فلا تناظره . فحينئذ بعث 
المنصور  ابنه 
 nindex.php?page=showalam&ids=15346محمدا المهدي  ليقيم 
بالري ،  وبعث 
المهدي  خازم بن خزيمة  مقدمة بين يديه إلى 
عبد الجبار ،  فما زالوا عليه حتى هزموا من معه ، وأخذوه فأركبوه بعيرا محولا وجهه إلى ناحية ذنب البعير ، وسيروه كذلك في البلاد حتى أقدموه على 
المنصور ،  ومعه ابنه وجماعة من أهله ، فضرب 
المنصور  عنقه ، وسير ابنه ومن معه من أهله إلى جزيرة 
دهلك  في طرف 
اليمن ،  فأسرتهم 
الهنود  بعد ذلك ، ثم فودي بعضهم بعد ذلك . 
واستقر 
المهدي  نائبا 
بخراسان ،  وأمره أبوه أن يغزو 
طبرستان  ، وأن يحارب 
الأصبهبذ  بمن معه من الجنود ، وأمده بجيش عليهم 
عمر بن العلاء ،  وكان من أعلم الناس بحرب 
طبرستان  ، وهو الذي يقول فيه 
بشار  الشاعر : 
فقل للخليفة إن جئته نصيحا ولا خير في المتهم  [ ص: 339 ]     إذا أيقظتك حروب العدا 
فنبه لها عمرا ثم نم     فتى لا ينام على دمنة 
ولا يشرب الماء إلا بدم 
فلما تواقفت الجيوش على 
طبرستان  ، فتحوها وحصروا 
الأصبهبذ  حتى ألجئوه إلى قلعته ، فصالحهم على ما فيها من الذخائر ، وكتب 
المهدي  إلى أبيه بذلك ، ودخل 
الأصبهبذ  بلاد 
الديلم ،  فمات هناك ، وكسروا أيضا ملك 
الترك  الذي يقال له : 
المصمغان    . وأسروا أمما من الذراري ، فهذا فتح 
طبرستان  الأول . 
وفي هذه السنة فرغ من بناء 
المصيصة  على يدي 
جبرئيل بن يحيى الخراساني    . 
وفيها رابط 
محمد بن إبراهيم الإمام  ببلاد 
ملطية    . 
وفيها عزل 
زياد بن عبيد الله  عن إمرة 
الحجاز ،  وولي 
المدينة  محمد بن خالد بن عبد الله القسري ،  فقدمها في رجب ، وولي 
مكة  والطائف  الهيثم بن معاوية العتكي    . 
وفيها توفي 
موسى بن كعب ،  وهو على شرطة 
المنصور  وعلى 
مصر  والهند ،  ونائبه في 
الهند  ابنه . 
وفيها ولي 
مصر  محمد بن الأشعث  ثم عزل ، وولي عليها 
نوفل بن الفرات    . 
وحج بالناس فيها 
صالح بن علي ،  وهو نائب 
قنسرين  وحمص  ودمشق ،   [ ص: 340 ] وبقية البلاد عليها من ذكرنا في التي قبلها . والله أعلم . 
وفيها توفي 
 nindex.php?page=showalam&ids=11793أبان بن تغلب ،   nindex.php?page=showalam&ids=17177وموسى بن عقبة  صاحب المغازي ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=11814وأبو إسحاق الشيباني  في قول . والله سبحانه أعلم .