صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة

وقد قتل في هذه السنة جماعة من أعيان أهل البيت ، منهم; عبد الله بن حسن وابناه إبراهيم ومحمد ، وأخوه حسن بن حسن ، وأخوه لأمه محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان الملقب بالديباج ، وقد تقدمت ترجمته في آخر الجزء الذي قبله .

فأما عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي [ ص: 381 ] فتابعي ، روى عن أبيه وأمه فاطمة بنت الحسين وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب - وهو صحابي جليل - وغيرهم . وعنه جماعة منهم; سفيان الثوري والدراوردي ، ومالك . وكان معظما عند العلماء مبجلا ، وكان عابدا كبير القدر . قال يحيى بن معين : كان ثقة مأمونا . وفد على عمر بن عبد العزيز ، فأكرمه ، ووفد على السفاح فعظمه وأعطاه ألف ألف درهم ، فلما ولي المنصور عكس هذا الإكرام ، وأخذه وأهل بيته مقيدين مغلولين مهانين من المدينة إلى الهاشمية ، فأودعهم السجن الضيق كما قدمنا ، فمات أكثرهم فيه ، فكان عبد الله بن حسن هذا أول من مات فيه ، وذلك بعد خروج ولده محمد بالمدينة ، وقد قيل : إنه قتل عمدا . وقيل : بل مات حتف أنفه . والله أعلم . وكان عمره يوم مات خمسا وسبعين سنة . وصلى عليه أخوه الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي .

[ ص: 382 ] ثم مات بعده أخوه حسن ، فصلى عليه أخوه محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان . ثم قتل بعده ، وحمل رأسه إلى خراسان ، كما قدمنا .

وأما محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب فروى عن أبيه ، ونافع ، وعن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة في كيفية الهوي إلى السجود ، وحدث عنه جماعة ، ووثقه النسائي وابن حبان ، وقال البخاري : لا يتابع على حديثه . وقد ذكر أن أمه حملت به أربع سنين . وكان طويلا سمينا أسمر ضخما ، مفخما ذا همة سامية ، وسطوة عالية ، وكان مقتله بالمدينة في منتصف رمضان سنة خمس وأربعين ومائة ، وله خمس وأربعون سنة . وقد حمل رأسه إلى المنصور ، وطيف به في الأقاليم .

وأما أخوه إبراهيم فكان ظهوره بالبصرة بعد ظهور أخيه بالمدينة ، وكانت وفاته بعد وفاته في ذي القعدة من هذه السنة ، وليس له شيء في الكتب الستة ، وقد حكى أبو داود السجستاني ، عن أبي عوانة أنه قال : كان إبراهيم [ ص: 383 ] وأخوه محمد خارجيين . ثم قال أبو داود : وبئسما قال ، هذا رأي الزيدية . قلت : وقد حكي عن جماعة من الأئمة أنهم مالوا إلى ظهورهما وفي هذا نظر . والله أعلم .

وممن توفي فيها أيضا من المشاهير :

الأجلح بن عبد الله ، وإسماعيل ابن أبي خالد في قول ، وحبيب ابن الشهيد ، وعبد الملك ابن أبي سليمان ، وعمر مولى عفرة ، ويحيى [ ص: 384 ] بن الحارث الذماري ، ويحيى بن سعيد أبو حيان التيمي ، ورؤبة بن العجاج - والعجاج لقب ، واسمه أبو الشعثاء عبد الله بن رؤبة - أبو محمد التميمي البصري ، الراجز ابن الراجز ، ولكل منهما ديوان رجز ، وكل منهما بارع في فنه ، لا يجارى ولا يمارى ، عالم باللغة . وعبد الله بن المقفع الكاتب المفوه ، أسلم على يد عيسى بن علي عم السفاح والمنصور ، وكتب له ، وله رسائل وألفاظ فصيحة ، وكان يتهم بالزندقة ، وهو الذي صنف كتاب " كليلة ودمنة " ، ويقال : بل هو الذي عربها من المجوسية إلى العربية .

قال المهدي ابن المنصور : ما وجدت كتاب زندقة إلا وأصله من ابن المقفع . قال الجاحظ : الزنادقة ثلاثة; ابن المقفع ، ومطيع بن إياس ، ويحيى بن زياد . قالوا : ونسي الجاحظ نفسه ، وهو رابعهم . وكان مع هذا فاضلا بارعا فصيحا .

[ ص: 385 ] قال الأصمعي : قيل لابن المقفع : من أدبك؟ قال : نفسي; إذا رأيت من غيري قبيحا أبيته ، وإذا رأيت حسنا أتيته .

ومن كلامه : شربت من الخطب ريا ، ولم أضبط لها رويا ، فغاضت ثم فاضت ، فلا هي هي نظاما ، وليست غيرها كلاما .

وكان قتله على يد سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب ابن أبي صفرة نائب البصرة ، وذلك أنه كان يعبث به ، ويسب أمه ، وإنما كان يسميه ابن المغتلمة ، وكان كبير الأنف ، وكان إذا دخل عليه يقول : السلام عليكما . على سبيل التهكم . وقال سفيان مرة : ما ندمت على سكوت قط . فقال : صدقت ، الخرس خير لك . فاتفق أن المنصور تغضب على ابن المقفع ، فكتب إلى نائبه سفيان بن معاوية هذا أن يقتله ، فأخذه فأحمى له تنورا ، وجعل يقطعه إربا إربا ، ويلقيه في ذلك التنور حتى أحرقه كله ، وهو ينظر إلى أطرافه كيف تقطع ، ثم تحرق . وقيل غير ذلك في صفة قتله .

قال ابن خلكان : ومنهم من يقول : ابن المقفع نسبة إلى بيع القفاع ، [ ص: 386 ] وهي من الجريد كالزنبيل بلا آذان ، والصحيح أنه ابن المقفع ، وهو أبوه داذويه ، كان الحجاج قد استعمله على الخراج ، فخان فعاقبه حتى تقفعت يداه . والله أعلم .

وفيها خرجت الترك والخزر بباب الأبواب ، فقتلوا من المسلمين بأرمينية جماعة كثيرة .

وحج بالناس في هذه السنة السري بن عبد الله بن الحارث بن عباس بن عبد المطلب نائب مكة ، وكان نائب المدينة عبد الله بن الربيع الحارثي ، وعلى الكوفة عيسى بن موسى ، وعلى البصرة سلم بن قتيبة ، وعلى مصر يزيد بن حاتم .

التالي السابق


الخدمات العلمية