صفحة جزء
ذكر ما ورد في ذكر مدينة بغداد من الآثار ، والتنبيه على ضعف ما روي فيها من الأخبار

فيها أربع لغات ، بغداد وبغداذ بإهمال الذال الثانية وإعجامها ، وبغدان بالنون آخره ، وبالميم مع ذلك أولا مغدان ، وهي كلمة أعجمية ، قيل : إنها مركبة من بغ وداذ ، فقيل : بغ بستان ، وداذ اسم رجل . وقيل : بغ اسم صنم - وقيل : شيطان - وداذ : عطية . أي عطية الصنم ، ولهذا كره عبد الله بن المبارك والأصمعي وغيرهما تسميتها بغداذ ، وإنما يقال لها : مدينة السلام . وكذا سماها بانيها أبو جعفر المنصور; لأن دجلة كان يقال لها : وادي السلام . ومنهم من يسميها الزوراء ، وهو لقب لها .

فروى الخطيب البغدادي من طريق عمار بن سيف - وهو متهم - قال : [ ص: 399 ] سمعت عاصما الأحول يحدث عن سفيان الثوري ، عن أبي عثمان ، عن جرير بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تبنى مدينة بين دجلة ودجيل وقطربل والصراة; تجبى إليها خزائن الأرض وجبابرتها ، لهي أسرع ذهابا في الأرض من الوتد الحديد في الأرض الرخوة .

قال الخطيب : وقد رواه عن عاصم الأحول سيف بن محمد ابن أخت سفيان الثوري ، وهو أخو عمار بن محمد - قلت : وكلاهما ضعيف متهم يرمى بالكذب - ومحمد بن جابر اليمامي - وهو ضعيف أيضا - وأبو شهاب الحناط ، وروى عن سفيان الثوري عن عاصم . ثم أسند ذلك كله .

وأورد من طريق يحيى بن معين ، عن يحيى ابن أبي بكير ، عن عمار بن سيف ، عن سفيان الثوري ، عن عاصم ، عن أبي عثمان ، عن جرير عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره . وقد قال أحمد ويحيى بن معين : ليس لهذا الحديث أصل . وقال أحمد : ما حدث به إنسان ثقة . وقد علله الخطيب من جميع طرقه ، وساقه أيضا من [ ص: 400 ] طريق عمار بن سيف ، عن الثوري ، عن أبي عبيدة حميد الطويل ، عن أنس بن مالك ، ولا يصح أيضا . ومن طريق عمر بن يحيى ، عن سفيان ، عن قيس بن مسلم ، عن ربعي ، عن حذيفة مرفوعا بنحوه ، ولا يصح أيضا . ومن غير وجه عن علي ابن أبي طالب وابن مسعود وثوبان وابن عباس ، وفي بعضها ذكر السفياني وأنه يخربها ، ولا يصح إسناد شيء من هذه الأحاديث ، وقد أوردها الخطيب بأسانيدها وألفاظها ، وفي كل منها نكارة ، وأقرب ما في ذلك عن كعب الأحبار ، وقد جاء في آثار عن كتب متقدمة أن بانيها يقال له : مقلاص وذو الدوانيق . وقد كان المنصور يلقب بمقلاص في صغره ، ولما ولي لقب بذي الدوانيق; لبخله .

التالي السابق


الخدمات العلمية