صفحة جزء
إبراهيم بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس ، كان أميرا على مصر ، توفي في شعبان ، حكى عنه عبد الله بن وهب .

وإبراهيم بن هرمة ، الشاعر ، وهو إبراهيم بن علي بن سلمة بن عامر بن هرمة أبو إسحاق الفهري المدني ، شاعر مفلق ، وفد على المنصور بغداد في وفد من أهل المدينة حين استوفدهم إليه ، فقدموا عليه ، فجلسوا إلى ستر دون المنصور ، يرى الناس من ورائه ولا يرونه ، وأبو الخصيب الحاجب واقف يقول : يا أمير المؤمنين ، هذا فلان الخطيب . فيأمره فيخطب ، ويقول : هذا فلان الشاعر . فيستنشده ، حتى كان من آخرهم ابن هرمة هذا ، قال : فسمعته يقول : لا مرحبا ولا أهلا ، ولا أنعم الله به عينا . قال : فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ذهبت والله نفسي ، ثم رجعت إلي نفسي فقلت : يا نفس ، هذا موقف إن لم تشتدي فيه هلكت . ثم استنشدني ، فأنشدته قصيدتي التي أقول فيها :


سرى ثوبه عنك الصبا المتخايل وقرب للبين الخليط المزايل

[ ص: 587 ] حتى انتهيت إلى قولي :


فأما الذي أمنته يأمن الردى     وأما الذي حاولت بالثكل ثاكل

قال : فأمر برفع الحجاب ، فإذا وجهه كأنه فلقة قمر ، فاستنشدني بقية القصيدة ، وأمرني بالقرب إليه والجلوس بين يديه ، ثم قال : ويحك يا إبراهيم ! لولا ذنوب بلغتني عنك لفضلتك على أصحابك ، فأقر علي بذنوبك أعفها عنك . فقلت : هذا رجل فقيه عالم ، وإنما يريد أن يقتلني بحجة تجب علي ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، كل ذنب بلغك مما عفوته عني فأنا مقر به . فتناول المخصرة ، فضربني بها ضربتين وأمر لي بعشرة آلاف درهم وخلعة ، وعفا عني وألحقني بنظرائي .

وكان من جملة ما ينقمه المنصور عليه قوله :


ومهما ألام على حبهم     فإني أحب بني فاطمه
بني بنت من جاء بالمحكمات     وبالدين والسنة القائمه
فلست أبالي بحبي لهم     سواهم من النعم السائمه

[ ص: 588 ] قال الأخفش : قال لنا ثعلب : قال الأصمعي : ختم الشعراء بابن هرمة ، وهو آخر الحجج .

ذكر وفاته في هذه السنة أبو الفرج ابن الجوزي في " المنتظم " .

والجراح بن مليح ، والد وكيع بن الجراح . وسعيد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن جميل أبو عبد الله المديني ، ولي قضاء بغداد سبع عشرة سنة بعسكر المهدي ، وثقه ابن معين وغيره .

صالح بن بشير المري

وصالح بن بشير المري ، أحد العباد الزهاد ، كان كثير البكاء ، وكان يعظ ، فيحضر مجلسه سفيان الثوري فيقول : هذا نذير قوم . وقد استدعاه المهدي ليحضر عنده ، فجاء راكبا على حمار ، فدنا من بساط الخليفة ، فأمر المهدي ابنيه - وليي العهد; موسى الهادي وهارون الرشيد - فابتدرا إليه لينزلاه عن دابته ، فأقبل صالح على نفسه فقال : لقد خبت وخسرت إن كنت عملت لهذا اليوم . ثم جلس إلى المهدي ، فوعظه فقال له : اعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 589 ] خصم من خالفه في أمته ، ومن كان محمد صلى الله عليه وسلم خصمه كان الله خصمه ، فأعد لمخاصمة الله ومخاصمة رسوله صلى الله عليه وسلم حججا تضمن لك النجاة ، وإلا فاستسلم للهلكة ، واعلم أن أبطأ الصرعى نهضة صريع هوى يدعي إلى الله قربة ، وأن أثبت الناس قدما يوم القيامة آخذهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . في كلام طويل ، فبكى المهدي ، وأمر بكتابة ذلك الكلام في دواوينه .

وعبد الملك بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، قدم قاضيا بالعراق فمات في هذا العام .

فرج بن فضالة الحمصي التنوخي ، كان على بيت المال ببغداد في خلافة الرشيد ، فتوفي في هذه السنة ، وكان مولده سنة ثمان وثمانين فمات وله ثمان وثمانون سنة .

ومن مناقبه أن المنصور دخل يوما إلى قصر الذهب ، فقام الناس إلا الفرج بن فضالة ، فقال له وقد غضب عليه : لم لم تقم؟! فقال : خفت أن يسألني الله عن ذلك ، ويسألك لم رضيت بذلك وقد كرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال : فبكى المنصور ، وقربه به وقضى حوائجه .

[ ص: 590 ] المسيب بن زهير بن عمرو أبو مسلم الضبي ، كان والي الشرطة ببغداد في أيام المنصور والمهدي والرشيد ، وولي خراسان مرة للمهدي . وكانت وفاته في هذه السنة عن ست وسبعين سنة .

الوضاح بن عبد الله أبو عوانة اليشكري مولاهم ، كان من أئمة المشايخ في الرواية . توفي في هذه السنة وقد جاوز الثمانين .

التالي السابق


الخدمات العلمية