[ ص: 614 ] ثم دخلت سنة ثنتين وثمانين ومائة 
فيها 
أخذ الرشيد  لولده  nindex.php?page=showalam&ids=15128عبد الله المأمون  البيعة بولاية العهد من بعد أخيه  nindex.php?page=showalam&ids=13739محمد ابن زبيدة الأمين ،  وذلك 
بالرقة  بعد مرجعه من الحج ، وضم ابنه 
المأمون  إلى 
جعفر بن يحيى البرمكي ،  ثم أرسله إلى 
بغداد  ومعه جماعة من 
أهل الرشيد  خدمة له ، وولاه 
خراسان  وما يتصل بها ، وسماه 
المأمون    . 
وفيها 
رجع  nindex.php?page=showalam&ids=17312يحيى بن خالد البرمكي  من مجاورته بمكة  إلى بغداد    . 
وفيها 
غزا الصائفة  عبد الرحمن بن عبد الملك بن صالح ،  فبلغ 
مدينة أصحاب الكهف    . 
وفيها 
سملت الروم  عيني ملكهم قسطنطين بن أليون ،  وملكوا عليهم أمه رينى ،  وتلقب أغسطة   . 
وحج بالناس فيها موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس    . 
وممن 
توفي فيها من الأعيان :  nindex.php?page=showalam&ids=12434إسماعيل بن عياش الحمصي  أحد المشاهير من أئمة الشاميين ، وفيه كلام .  
[ ص: 615 ]  nindex.php?page=showalam&ids=17064ومروان بن أبي حفصة ،  الشاعر المشهور المشكور ، كان يمدح الخلفاء 
والبرامكة  ومعن بن زائدة ،  وكان قد تحصل له من الأموال شيء كثير جدا ، وكان مع ذلك من أبخل الناس ، لا يكاد يأكل اللحم من بخله ، ولا يشعل في بيته سراجا ، ولا يلبس من الثياب إلا الكرباس والفرو الغليظ ، وكان رفيقه 
سلم الخاسر  إذا ركب إلى دار الخلافة يأتي على برذون ، وبدلة سنية تساوي ألف دينار ، والطيب ينفح من ثيابه ، ويأتي 
مروان  في شر حالة وأسوئها . 
وخرج يوما إلى 
المهدي ،  فقالت امرأة من أهله : إن أطلق لك الخليفة شيئا فاجعل لي منه شيئا . فقال : إن أعطاني مائة ألف درهم فلك درهم . فأعطاه ستين ألفا ، فأعطاها أربعة دوانيق . توفي 
ببغداد  في هذه السنة ، ودفن في مقبرة 
نصر بن مالك    . 
والقاضي أبو يوسف وهو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن سعد بن حبتة ،  وهي أمه ، وأبوه 
بحير بن معاوية ،  وسعد  هذا له صحبة ، استصغر يوم   
[ ص: 616 ] أحد  ، 
وأبو يوسف القاضي  هذا كان أكبر أصحاب 
أبي حنيفة ،  رحمه الله ، وروى الحديث عن 
الأعمش ،   nindex.php?page=showalam&ids=17245وهشام بن عروة ،   nindex.php?page=showalam&ids=16903ومحمد بن إسحاق ،  ويحيى بن سعيد ،  وغيرهم . وعنه 
محمد بن الحسن ،   nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل ،   nindex.php?page=showalam&ids=17336ويحيى بن معين    . 
قال 
علي بن الجعد    : سمعته يقول : توفي أبي وأنا صغير ، فأسلمتني أمي إلى قصار ، فكنت أمر على حلقة 
أبي حنيفة ،  فأجلس فيها ، فكانت أمي تتبعني ، فتأخذ بيدي من الحلقة وتذهب بي إلى القصار ، ثم كنت أخالفها في ذلك وأذهب إلى 
أبي حنيفة ،  فلما طال ذلك قالت أمي 
 nindex.php?page=showalam&ids=11990لأبي حنيفة    : إن هذا صبي يتيم ، ليس له شيء إلا ما أطعمه من مغزلي ، وإنك قد أفسدته علي . فقال لها : اسكتي يا رعناء ، ها هو ذا يتعلم العلم ، وسيأكل الفالوذج بدهن الفستق . فقالت له : إنك شيخ قد خرفت . قال 
أبو يوسف    : فلما وليت القضاء - وكان أول من ولاه القضاء 
الهادي ،  وهو أول من لقب بقاضي القضاة ، وكان يقال له : قاضي قضاة الدنيا . لأنه كان يستنيب في سائر الأقاليم التي يحكم فيها الخليفة - قال 
أبو يوسف    : فبينا أنا ذات يوم عند 
الرشيد  إذ أتي بفالوذج وكنت لا أعرفها ، فقال لي : كل من هذا; فإنه لا يصنع لنا كل وقت . فقلت : وما هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال : هذا الفالوذج . قال : فتبسمت ، فقال : ما لك تتبسم؟ فقلت : لا شيء ، أبقى الله أمير المؤمنين . فقال : لتخبرني : فقصصت عليه القصة من أولها ، فقال : إن العلم ينفع ويرفع في الدنيا والآخرة . ثم قال : رحم الله 
أبا حنيفة ،  فلقد كان ينظر بعين عقله ما لا يراه بعين رأسه .  
[ ص: 617 ] وكان 
أبو حنيفة  يقول عن 
أبي يوسف    : إنه أعلم أصحابه . 
وقال 
المزني    : كان 
أبو يوسف  أتبعهم للحديث . 
وقال 
ابن المديني :  كان صدوقا . وقال 
ابن معين    : كان ثقة . وقال 
أبو زرعة :  كان سليما من التجهم . 
وقال 
بشار الخفاف    : سمعت 
أبا يوسف  يقول : من قال : القرآن مخلوق . فحرام كلامه ، وفرض مباينته . 
ومن كلامه الذي ينبغي كتابته بماء الذهب قوله : من طلب المال بالكيمياء أفلس ، ومن تتبع غرائب الحديث كذب ، ومن طلب العلم بالكلام تزندق . 
ولما تناظر هو 
 nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك  بالمدينة  بحضرة 
الرشيد  في مسألة الصاع وزكاة الخضراوات احتج 
مالك  بما استدعى به من تلك الصيعان المنقولة عن آبائهم وأسلافهم ، وبأنه لم تكن الخضراوات في زمن الخلفاء الراشدين . فقال : لو رأى صاحبي ما رأيت لرجع كما رجعت . وهذا إنصاف . 
وقد كان يحضر في مجلس حكمه العلماء على طبقاتهم ، حتى إن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل  كان شابا ، وكان يحضر مجلسه في أثناء الناس ، فيتناظرون ويتباحثون فيه ، وهو مع ذلك يحكم ويصنف أيضا .  
[ ص: 618 ] وقال : وليت هذا الحكم ، وأرجو الله أن لا يسألني عن جور ولا ميل إلى أحد إلا يوما واحدا; جاءني رجل فذكر أن له بستانا ، وأنه في يد أمير المؤمنين ، فدخلت إلى أمير المؤمنين فأعلمته ، فقال : البستان لي ، اشتراه لي 
المهدي    . فقلت : إن رأى أمير المؤمنين أن يحضره لأسمع دعواه . فأحضره فادعى بالبستان ، فقلت : ما تقول يا أمير المؤمنين؟ فقال : هو بستاني . فقلت للرجل : قد سمعت ما أجاب . فقال الرجل : يحلف . فقلت : أتحلف يا أمير المؤمنين؟ فقال : لا . فقلت : سأعرض عليك اليمين ثلاثا ، فإن حلفت وإلا حكمت عليك . فعرضتها عليه ثلاثا فامتنع ، فحكمت بالبستان للمدعي . قال : فكنت في أثناء الخصومة أود أن ننفصل ، ولم يمكني أن أجلس الرجل مع الخليفة . وبعث القاضي 
أبو يوسف  في تسليم البستان إلى الرجل . 
وروى 
 nindex.php?page=showalam&ids=15263المعافى بن زكريا الجريري ،  عن 
محمد ابن أبي الأزهر ،  عن 
حماد ابن أبي إسحاق - الموصلي ،  عن أبيه ، عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=15535بشر بن الوليد ،  عن 
أبي يوسف  قال : بينا أنا ذات ليلة قد نمت في الفراش ، إذا رسول الخليفة يطرق الباب ، فخرجت منزعجا فقال : أمير المؤمنين يدعوك . فذهبت فإذا هو جالس ومعه 
عيسى بن جعفر ،  فقال لي 
الرشيد :  إن هذا قد طلبت منه جارية يهبنيها ، فلم يفعل ، أو يبيعنيها فلم يفعل ، وإني أشهدك إن لم يجبني إلى ذلك قتلته . فقلت 
لعيسى    : لم لم تفعل؟ فقال : إني حالف بالطلاق والعتاق وصدقة مالي كله أن لا أبيعها ولا أهبها . فقال لي 
الرشيد    : فهل له من مخلص؟ فقلت : نعم ، يبيعك نصفها ، ويهبك نصفها . فوهبه النصف ، وباعه النصف بمائة ألف دينار ، فقبل منه ذلك ،   
[ ص: 619 ] وأحضرت الجارية ، فلما رآها 
الرشيد  قال : هل لي من سبيل عليها الليلة؟ قلت : إنها مملوكة ، ولا بد من استبرائها ، إلا أن تعتقها وتتزوجها ، فإن الحرة لا تستبرأ . قال : فأعتقها وزوجتها منه بعشرين ألف دينار ، وأمر لي بمائتي ألف درهم وعشرين تختا من ثياب ، وأرسلت إلي الجارية بعشرة آلاف دينار   . 
قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين :  كنت عند 
أبي يوسف ،  فجاءته هدية من ثياب دبيقي وطيب وتماثيل ند وغير ذلك ، فذاكرني رجل في إسناد حديث : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=3512710  " من أهديت له هدية وعنده قوم جلوس فهم شركاؤه "   . فقال 
أبو يوسف :  إنما ذاك في الأقط والتمر والزبيب ، ولم تكن الهدايا ما ترون ، يا غلام ، شل إلى الخزائن   . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=15211بشر بن غياث المريسي    : سمعت 
أبا يوسف  يقول : صحبت 
أبا حنيفة  سبع عشرة سنة ، ثم انصبت علي الدنيا سبع عشرة سنة ، وما أظن أجلي إلا قد اقترب . فما كان شهور حتى مات   . 
وقد مات 
أبو يوسف  في ربيع الأول من هذه السنة عن تسع وستين سنة ، وقد مكث في القضاء ست عشرة سنة ، وولي القضاء من بعده ولده 
يوسف .   [ ص: 620 ] وقد كان نائبه على الجانب الغربي من 
بغداد    . ومن زعم من الرواة أن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  اجتمع 
بأبي يوسف  كما يقوله 
عبد الله بن محمد البلوي الكذاب  في الرحلة التي ساقها 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،  فقد أخطأ في ذلك ، فإن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  إنما ورد 
بغداد  في أول قدمة قدمها إليها في سنة أربع وثمانين . وإنما اجتمع 
بمحمد بن الحسن الشيباني ،  فأحسن إليه وأقبل عليه ، ولم يكن بينهما شنآن ، كما قد يذكره بعض من لا خبرة له بهذا الشأن . والله أعلم . 
وفيها توفي 
يعقوب بن داود بن طهمان أبو عبد الله ، مولى عبد الله بن خازم السلمي ،  استوزره 
المهدي ،  وسلم إليه أزمة الأمور ، وحظي عنده جدا ، ثم لما أمره بقتل ذلك العلوي فأرسله ، ونمت عليه الجارية ، وتحقق أنه لم يفعل ، سجنه في بئر ، وبنيت عليه قبة ، ونبت عليه شعر كما ينبت شعر الأنعام ، وعمي ، ويقال : عشي بصره ، ومكث نحوا من خمس عشر سنة في ذلك المكان لا يرى شيئا ، ولا يسمع صوتا إلا حين الصلوات يعلم به ، ويدلى إليه في كل يوم رغيف وكوز ماء ، حتى انقضت أيام 
المهدي  وأيام 
الهادي  وصدر من خلافة 
الرشيد ،  قال 
يعقوب :  فأتاني آت في منامي فقال : 
عسى الكرب الذي أمسيت فيه يكون وراءه فرج قريب     فيأمن خائف ويفك عان 
ويأتي أهله النائي الغريب 
 [ ص: 621 ] فلما أصبحت نوديت فظننت أني أعلم بوقت الصلاة ، ودلي إلي حبل ، وقيل لي : اربط هذا الحبل في وسطك . فأخرجوني ، فلما نظرت إلى الضياء لم أبصر شيئا ، وأوقفت بين يدي الخليفة . فظننته 
المهدي ،  فسلمت عليه أنه 
المهدي ،  فقال : لست به . قلت : 
فالهادي؟  فقال : لست به . فقلت : السلام عليك يا أمير المؤمنين 
الرشيد    . فقال : نعم . ثم قال : والله إنه لم يشفع فيك عندي أحد ، ولكني البارحة حملت جارية لي صغيرة على عنقي ، فذكرت حملك إياي على عنقك ، فرحمت ما أنت فيه من الضيق ، فأخرجتك . ثم أنعم عليه وأحسن إليه . فغار منه 
 nindex.php?page=showalam&ids=17312يحيي بن خالد بن برمك ،  وخشي أن يعيده إلى المنزلة التي كان فيها أيام 
المهدي ،  وفهم ذلك 
يعقوب ،  فاستأذن الخليفة في الذهاب إلى 
مكة  ، فأذن له ، فكان بها حتى مات في هذه السنة ، رحمه الله . 
ويزيد بن زريع أبو معاوية العيشي ،  كان ثقة عالما عابدا ورعا ، توفي أبوه وكان والي 
البصرة  ، وترك من المال خمسمائة ألف درهم ، فلم يأخذ منها 
يزيد  درهما واحدا ، وكان يعمل الخوص ، ويأكل منه . وتوفي 
بالبصرة  في هذه السنة ، وقيل قبل ذلك . فالله أعلم .