صفحة جزء
[ ص: 634 ] ثم دخلت سنة ست وثمانين ومائة

فيها خرج علي بن عيسى بن ماهان من مرو لحرب أبي الخصيب إلى نسا ، فقاتله بها ، وسبى نساءه وذراريه ، واستقامت خراسان .

وحج بالناس فيها أمير المؤمنين هارون الرشيد ، ومعه ابناه محمد الأمين وعبد الله المأمون ، فبلغ جملة ما أعطى لأهل الحرمين ألف ألف دينار وخمسين ألف دينار ، وذلك أنه كان يعطي ، ثم يذهب الناس من بعده إلى ولده الأمين فيعطي ، ثم يذهبون إلى ولده عبد الله المأمون فيعطي .

وكان إلى الأمين ولاية الشام والعراق ، وإلى المأمون من همذان إلى بلاد المشرق . ثم بايع الرشيد لولده القاسم من بعد أخويه ، ولقبه المؤتمن ، وولاه الجزيرة والثغور والعواصم ، وكان الباعث له على ذلك أن ابنه القاسم هذا كان في حجر عبد الملك بن صالح ، فلما بايع الرشيد لولديه الأمين والمأمون كتب إليه :


يا أيها الملك الذي لو كان نجما كان سعدا     اعقد لقاسم بيعة
واقدح له في الملك زندا     الله فرد واحد
فاجعل ولاة العهد فردا

[ ص: 635 ] ففعل الرشيد ذلك ، وقد حمده قوم على ذلك ، وذمه آخرون ، ولم ينتظم للقاسم هذا أمر ، بل اخترمته الأقدار عن بلوغ الأوطار .

ولما قضى الرشيد حجه ومناسكه أحضر من معه من الأمراء والوزراء ، وأحضر وليي العهد; محمدا الأمين وعبد الله المأمون ، وأشهد على كل منهما السمع والطاعة لأخيه ، وألا ينازعه ما ولاه الله من ذلك ، وكتب بمضمون ذلك صحيفة ، وكتب فيها الأمراء والوزراء خطوطهم بالشهادة عليها بذلك ، وأراد الرشيد أن يعلقها في الكعبة فسقطت ، فقيل : هذا الأمر سريع انتقاضه . وكذا وقع كما سيأتي بيانه .

وقد قال إبراهيم الموصلي في عقد هذه البيعة في الكعبة :


خير الأمور مغبة     وأحق أمر بالتمام
أمر قضى أحكامه الر     حمن في البلد الحرام

وقد أطال القول في هذا المقام أبو جعفر ابن جرير وتبعه ابن الجوزي في كتابه " المنتظم " أيضا .

التالي السابق


الخدمات العلمية