صفحة جزء
[ ص: 406 ] ذكر ثناء الأئمة على الإمام أحمد بن حنبل المعظم المبجل

قال البخاري : لما ضرب أحمد بن حنبل كنا بالبصرة فسمعت أبا الوليد الطيالسي يقول : لو كان هذا في بني إسرائيل لكان أحدوثة .

وقال إسماعيل بن الخليل : لو كان أحمد بن حنبل في بني إسرائيل لكان عجبا .

وقال المزني : أحمد بن حنبل يوم المحنة ، وأبو بكر يوم الردة ، وعمر يوم السقيفة ، وعثمان يوم الدار ، وعلي يوم صفين .

وقال حرملة : سمعت الشافعي يقول : خرجت من العراق فما خلفت بها رجلا أفضل ولا أعلم ولا أورع ولا أتقى من أحمد بن حنبل .

[ ص: 407 ] وقال شيخه يحيى بن سعيد القطان : ما قدم علي من بغداد أحد أحب إلي من أحمد بن حنبل .

وقال قتيبة : مات سفيان الثوري ومات الورع ، ومات الشافعي وماتت السنن ، ويموت أحمد بن حنبل وتظهر البدع ، وفي رواية : قال قتيبة : إن أحمد بن حنبل قام في الأمة مقام النبوة . قال البيهقي : يعني في صبره على ما أصابه من الأذى في ذات الله ، عز وجل .

وقال أبو عمر ابن النحاس وذكر أحمد يوما فقال : رحمه الله في الدين ما كان أبصره ، وعن الدنيا ما كان أصبره ، وفي الزهد ما كان أخبره ، وبالصالحين ما كان ألحقه ، وبالماضين ما كان أشبهه ، عرضت له الدنيا فأباها ، والبدع فنفاها .

وقال بشر بن الحارث الحافي بعدما ضرب أحمد بن حنبل : أدخل أحمد الكير فخرج ذهبا أحمر .

[ ص: 408 ] وقال الميموني : قال لي علي بن المديني بعدما امتحن أحمد ، وقبل أن يمتحن : يا ميموني ، ما قام أحد في الإسلام ما قام أحمد بن حنبل . فعجبت من هذا عجبا شديدا ، وذهبت إلى أبي عبيد القاسم بن سلام ، فحكيت له مقالة علي بن المديني ، فقال : صدق ، إن أبا بكر الصديق وجد يوم الردة أنصارا وأعوانا وإن أحمد بن حنبل لم يكن له أنصار ولا أعوان . ثم أخذ أبو عبيد يطري أحمد ويقول : لست أعلم في الإسلام مثله .

وقال إسحاق بن راهويه : أحمد بن حنبل حجة بين الله وبين عبيده في أرضه .

وقال علي بن المديني : إذا ابتليت بشيء فأفتاني أحمد بن حنبل لم أبال إذا لقيت ربي كيف كان . وقال علي أيضا : إني اتخذت أحمد بن حنبل حجة فيما بيني وبين الله عز وجل ، ثم قال : ومن يقوى على ما يقوى عليه أبو عبد الله ؟

وقال يحيى بن معين أيضا : كان في أحمد بن حنبل خصال ما رأيتها في عالم قط ، كان محدثا ، وكان حافظا ، وكان عالما ، وكان ورعا ، وكان زاهدا ، وكان عاقلا .

[ ص: 409 ] وقال يحيى بن معين أيضا : أراد الناس منا أن نكون مثل أحمد بن حنبل ، والله ما نقوى أن نكون مثل أحمد ، ولا نطيق سلوك طريقه .

وقال محمد بن يحيى الذهلي : اتخذت أحمد بن حنبل حجة فيما بيني وبين الله عز وجل . وقال هلال بن العلاء الرقي : من الله على هذه الأمة بأربعة : بالشافعي ، فهم الأحاديث وفسرها ، وبين المجمل من المفسر ، والخاص من العام ، والناسخ من المنسوخ ، وبأبي عبيد عرف الغريب وفسره ، وبيحيى بن معين نفى الكذب عن الأحاديث ، وبأحمد بن حنبل ثبت في المحنة ، لولا هؤلاء الأربعة لهلك الناس .

وقال أبو بكر ابن أبي داود : أحمد بن حنبل مقدم على كل من حمل بيده قلما ومحبرة ; يعني في عصره .

وقال أبو بكر محمد بن محمد بن رجاء : ما رأيت مثل أحمد بن حنبل ، ولا رأيت من رأى مثله .

[ ص: 410 ] وقال أبو زرعة الرازي : ما أعرف في أصحابنا أسود الرأس أفقه منه .

وروى البيهقي ، عن الحاكم ، عن يحيى بن محمد العنبري قال : أنشدنا أبو عبد الله البوشنجي في أحمد بن حنبل رحمه الله :


إن ابن حنبل إن سألت إمامنا وبه الأئمة في الأنام تمسكوا     خلف النبي محمدا بعد الألى
كانوا الخلائف بعده واستهلكوا     حذو الشراك على الشراك وإنما
يحذو المثال مثاله المتمسك

وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله ، وهم كذلك قال عبد الله بن المبارك ، وأحمد بن حنبل ، وغيرهما : هم أهل الحديث .

وروى البيهقي عن أبي سعيد الماليني ، عن ابن عدي عن أبي القاسم البغوي ، عن أبي الربيع الزهراني ، عن حماد بن زيد ، عن بقية بن الوليد ، عن معان [ ص: 411 ] بن رفاعة ، عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري . ح قال البغوي : وحدثني زياد بن أيوب حدثنا مبشر ، عن معان عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين وهذا الحديث مرسل ، وإسناده فيه ضعف ، والعجب أن ابن عبد البر صححه ، واحتج به على عدالة كل من نسب إلى حمل العلم ، والإمام أحمد من أئمة أهل العلم ، رحمه الله ، وأكرم مثواه .

التالي السابق


الخدمات العلمية