صفحة جزء
[ ص: 508 ] خلافة المهتدي بالله أبي عبد الله محمد بن الواثق هارون بن المعتصم

وكانت بيعته يوم الأربعاء لليلة بقيت من رجب من هذه السنة بعد خلع المعتز نفسه بين يديه وإشهاده على نفسه بأنه عاجز عن القيام بأمر الخلافة ، وأنه قد رغب إلى من يقوم بأعبائها محمد بن الواثق بالله . ثم مد يده فبايعه قبل الناس كلهم ، ثم بايعه الخاصة ثم كانت بيعة العامة وكتب على المعتز كتاب أشهد عليه فيه بالخلع والعجز والمبايعة للمهتدي .

وفي آخر يوم من رجب هذا وقعت ببغداد فتنة هائلة وثبت فيها العامة على نائبها سليمان بن عبد الله بن طاهر ودعوا إلى بيعة أبي أحمد ابن المتوكل أخي المعتز ; وذلك لعدم علم أهل بغداد بما وقع بسامرا من بيعة المهتدي بالله ابن الواثق ، وقتل من أهل بغداد وغرق منهم خلق كثير ، ثم لما بايع الناس بيعة العامة للمهتدي بالله في سابع شعبان ، وبلغ أهل بغداد ذلك ، سكنوا واستقرت الأمور واستقل المهتدي بالخلافة ، ولله الحمد .

وفي رمضان من هذه السنة ظهر عند قبيحة أم المعتز أموال عظيمة ، وجواهر نفيسة ; كان من جملة ذلك ما يقارب ألفي ألف دينار ومن الزمرد الذي لم ير مثله مقدار مكوك ، ومن الحب الكبار مكوك وكيلجة ياقوت أحمر مما لم ير مثله أيضا . وقد كانت قبل ذلك مختفية عند صالح بن وصيف [ ص: 509 ] ثم نزحت عنه ، فكانت تدعو عليه ; تقول : اللهم أخز صالح بن وصيف كما هتك ستري ، وقتل ولدي وبدد شملي وأخذ مالي وغربني عن بلدي ، وركب الفاحشة مني . هذا وقد كان الأتراك قد طلبوا من ابنها المعتز خمسين ألف دينار تصرف في أرزاقهم وضمنوا له أن يقتلوا صالح بن وصيف فلم يكن عنده من ذلك شيء فطلب من أمه قبيحة - قبحها الله - أن تقرضه ذلك ، فأظهرت أنه لا شيء عندها . ثم لما قتل ابنها - وكان ما كان - ظهر عندها من الأموال ما ذكرنا . وقد كان لها من الغلات في كل سنة ما يعدل عشرة آلاف ألف دينار .

واستقرت الخلافة للمهتدي بالله وكان - ولله الحمد - خليفة صالحا . قال يوما للأمراء : إني ليست لي أم لها من الغلات ما يقاوم عشرة آلاف ألف دينار ، ولست أريد إلا القوت فقط ، ولا أريد فضلا على ذلك إلا لإخوتي فإنهم قد مستهم الحاجة .

وفي يوم الخميس لثلاث بقين من رمضان أمر صالح بن وصيف بضرب أحمد بن إسرائيل الذي كان وزيرا ، وأبي نوح عيسى بن إبراهيم الذي كان نصرانيا فأظهر الإسلام ، وكان كاتب قبيحة فضرب كل واحد منهما خمسمائة سوط بعد استخلاص أموالهما ، ثم طيف بهما على بغلين منكسين فماتا ، وهما كذلك ولم يكن ذلك عن رضا المهتدي بالله ، ولكن لا يقدر على [ ص: 510 ] الإنكار على صالح بن وصيف في بادئ الأمر .

وفي رمضان في هذه السنة وقعت فتنة ببغداد أيضا بين محمد بن أوس ومن اتبعه من الشاكرية والجند وغيرهم وبين العامة والرعاع فاجتمع من العامة نحو من مائة ألف ، وكان بين الناس قتال بالنبال والرماح والسيوف ، وقتل خلق كثير ، ثم انهزم محمد بن أوس وأصحابه فنهبت العامة ما وجدوا من أمواله ، وكان منه شيء يعادل ألفي ألف ، أو نحو ذلك .

ثم اتفق الحال على إخراج محمد بن أوس من بغداد إلى أينما أراد من سائر البلاد فخرج منها خائفا طريدا ; وذلك لأنه لم يكن عند الناس مرضي السيرة بل كان جبارا عنيدا ، وشيطانا مريدا وفاسقا شديدا وأمر الخليفة المهتدي بالله بأن ينفى القيان والمغنيون من سامرا ، وأمر بقتل السباع والنمور التي في دار السلطان ، والكلاب المعدة للصيد أيضا ، وإبطال الملاهي ورد المظالم ، وأن يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر وجلس للعامة .

وكانت ولايته والدنيا كلها من أرض الشام وغيرها مفترقة ، ثم استدعى الخليفة المهتدي موسى بن بغا الكبير إلى حضرته ; ليتقوى به على من عنده من الأتراك ; لتجتمع كلمة الخلافة واعتذر من استدعائه بما هو فيه من الجهاد بتلك البلاد .

التالي السابق


الخدمات العلمية