صفحة جزء
[ ص: 511 ] ذكر خارجي آخر ادعى أنه من أهل البيت ظهر بالبصرة

وفي النصف من شوال من هذه السنة ظهر رجل بظاهر البصرة زعم أنه علي بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، ولم يكن صادقا في دعواه هذا النسب ، وإنما كان عبقسيا - من عبد القيس - واسمه علي بن محمد بن عبد الرحيم ، وأمه قرة بنت علي بن رحيب بن محمد بن حكيم من بني أسد بن خزيمة ، وأصله من قرية من قرى الري . قاله ابن جرير .

قال : وقد خرج أيضا في سنة تسع وأربعين ومائتين بالبحرين فادعى أنه علي بن محمد بن الفضل بن الحسين بن عبد الله بن عباس بن علي بن أبي طالب ، فدعا الناس بهجر إلى طاعته فاتبعه جماعة من أهلها ، فوقع بسببه قتال كثير وفتن كبار وحروب كثيرة ومنتشرة .

[ ص: 512 ] ولما خرج خرجته هذه الثانية بظاهر البصرة التف عليه خلق من الزنج الذين كانوا يكسحون السباخ فعبر بهم دجلة فنزل الديناري ، وكان يزعم لبعض الجهلة من أتباعه أنه يحيى بن عمر أبو الحسين المقتول بناحية الكوفة وكان يدعي أنه حفظ سورا من القرآن في ساعة واحدة جرى بها لسانه لا يحفظها غيره في مدة ; وهن " سبحان " والكهف " وص " وأنه فكر يوما وهو في البادية إلى أي البلاد يصير ، فخوطب من سحابة أن يقصد البصرة فقصدها ، ولما اقترب منها وجد أهلها مفترقين على شعبتين ; سعدية وبلالية فطمع أن ينضم إليه إحداهما فيستعين بها على الأخرى فلم يقدر على ذلك ، فارتحل إلى بغداد فأقام بها سنة وانتسب بها إلى محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد ، وكان يزعم بها أنه يعلم ما في ضمائر أصحابه ، وأن الله يعلمه بذلك فتبعه على ذلك جهلة من الطغام ، وطائفة من رعاع الناس العوام .

ثم عاد إلى أرض البصرة في رمضان من هذه السنة فاجتمع معه بشر كثير ، ولكن لم يكن معهم عدد يقاتلون بها فأتاهم جيش من ناحية البصرة فاقتتلوا جميعا ، فلم يكن في جيش هذا الخارجي سوى ثلاثة أسياف وأولئك الجيش معهم عدد وعدد ولبوس ومع هذا هزم أصحاب هذا الخارجي ذلك الجيش وكانوا في أربعة آلاف مقاتل ثم مضى نحو البصرة بمن [ ص: 513 ] معه فأهدى له رجل من أهل جبا فرسا ، فلم يجد لها سرجا ولا لجاما ، فألقى عليها حبلا وركبها ، وشنق حنكها بليف ، ثم صادر رجلا فتهدده بالقتل فأخذ منه مائة وخمسين دينارا وألف درهم فكان هذا أول مال غنمه من هذه البلاد ، وأخذ من آخر ثلاثة براذين ، وأخذ من موضع آخر شيئا من الأسلحة والأمتعة ، فسار في جيشه قليل سلاح وخيول ، ثم جرت بينه وبين جيوش من جهة نائب البصرة وقعات متعددة يهزمهم فيها وكل ما لأمره يقوى ويتزايد أصحابه ويعظم جيشه ، وهو مع ذلك لا يتعرض لأموال الناس ، وإنما يريد أخذ أموال السلطان .

وقد انهزم أصحابه في بعض تلك الحروب هزيمة فظيعة ثم تراجعوا إليه واجتمعوا حوله ، ثم كروا إلى أهل البصرة فهزموهم وقتلوا منهم خلقا وأسروا آخرين ، فكان لا يؤتى بأحد من الأسرى إلا قتله ، ثم قوي أمره بعد ذلك ، وخافه أهل البصرة وبعث الخليفة إليها مددا يكونون لهم على صاحب الزنج - هذا الخارجي قبحه الله - ثم أشار عليه رءوس أصحابه أن يهجم بهم على أهل البصرة فيدخلونها عنوة ، فهجن آراءهم ، وقال : بل نكون منها قريبا حتى يكونوا هم الذين يطلبوننا إليها ، ويخطبوننا عليها . وسيأتي ما كان من أمره ، [ ص: 514 ] وأمر أهل البصرة في السنة المستقبلة إن شاء الله تعالى .

وحج بالناس في هذه السنة علي بن الحسين بن إسماعيل بن العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس .

التالي السابق


الخدمات العلمية