صفحة جزء
وممن توفي فيها من الأعيان :

أبو بكر أحمد بن محمد الحجاج المروذي صاحب الإمام أحمد ، كان من الأئمة الأذكياء ، وكان أحمد يقدمه على جميع أصحابه ويأنس به [ ص: 615 ] ويبعثه في الحاجة ويقول : قل ما شئت . وهو الذي أغمض الإمام أحمد وكان فيمن غسله أيضا ، وقد نقل عن أحمد مسائل كثيرة ، وحصلت له رفعة عظيمة ، شيعه إلى سامرا حين أراد الغزو خمسون ألفا .

أحمد بن محمد بن غالب بن خالد بن مرداس ، أبو عبد الله الباهلي البصري ، المعروف بغلام خليل ، سكن بغداد وروى عن سليمان بن داود الشاذكوني ، وشيبان بن فروخ ، وقرة بن حبيب وغيرهم ، وعنه ابن السماك وابن مخلد وغيرهما ، وقد أنكر عليه أبو حاتم وغيره أحاديث رواها منكرة عن شيوخ مجهولين ، قال أبو حاتم : ولم يكن ممن يفتعل الحديث ، كان رجلا صالحا . وكذبه أبو داود وغير واحد . وروى ابن عدي عنه أنه اعترف بوضع الحديث ليرقق به قلوب الناس . وكان عابدا زاهدا يقتات الباقلاء الصرف ، وحين مات أغلقت أسواق بغداد وحضر الناس للصلاة عليه ، ثم حمل في زورق إلى البصرة فدفن بها ، وكان ذلك في رجب من هذه السنة .

وأحمد بن ملاعب ، روى عن يحيى بن معين وغيره ، وكان ثقة دينا عالما فاضلا ، انتشر به علم كثير من الحديث .

[ ص: 616 ] وأبو سعيد الحسن بن الحسين بن عبد الله السكري النحوي اللغوي ، صاحب التصانيف .

وإسحاق بن إبراهيم بن هانئ ، أبو يعقوب النيسابوري ، كان من أخصاء أصحاب الإمام أحمد ، وعنده اختفى في زمن المحنة .

وعبد الله بن يعقوب بن إسحاق التميمي العطار الموصلي ، قال ابن الأثير : كان كثير الحديث معدلا عند الحكام . ويحيى بن أبي طالب .

وأبو داود السجستاني :

صاحب " السنن " ، وهو سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو بن عمران ، أبو داود الأزدي السجستاني ، أحد أئمة الحديث الرحالين الجوالين في الآفاق والأقاليم ، جمع وصنف وخرج وألف ، وسمع الكثير‍ عن مشايخ البلدان في الشام ومصر والجزيرة والعراق وخراسان وغير ذلك . وله " السنن " المشهورة المتداولة بين العلماء ، التي قال فيها أبو حامد الغزالي : يكفي المجتهد معرفتها من الأحاديث النبوية . وحدث عنه جماعة ; منهم ابنه أبو بكر عبد الله ، وأبو عبد الرحمن النسائي ، وأحمد بن [ ص: 617 ] سلمان النجاد ، وهو آخر من روى عنه في الدنيا . سكن أبو داود البصرة وقدم بغداد غير مرة وحدث بكتابه " السنن " بها ، ويقال : إنه صنفه بها ، وعرضه على الإمام أحمد فاستجاده واستحسنه .

وقال الخطيب البغدادي : حدثني أبو بكر محمد بن علي بن إبراهيم القاري الدينوري ، بلفظه ، قال : سمعت أبا الحسين محمد بن عبد الله بن الحسن الفرضي ، قال : سمعت أبا بكر بن داسه يقول : سمعت أبا داود يقول : كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث ، انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب - يعني كتاب " السنن " - جمعت فيه أربعة آلاف وثمانمائة حديث ; ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه ، ويكفي الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث ; أحدها : قوله عليه السلام الأعمال بالنيات والثاني : قوله من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه والثالث : قوله لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه والرابع : قوله الحلال بين ، والحرام بين ، وبين ذلك أمور مشتبهات وحدثت عن عبد العزيز بن جعفر الحنبلي أن أبا بكر الخلال قال : أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني [ ص: 618 ] الإمام المقدم في زمانه رجل لم يسبقه إلى معرفته تخريج العلوم وبصره بمواضعه أحد من أهل زمانه ، رجل ورع مقدم ، قد سمع منه أحمد بن حنبل حديثا واحدا كان أبو داود يذكره ، وكان إبراهيم الأصبهاني وأبو بكر بن صدقة يرفعون من قدره ويذكرونه بما لا يذكرون أحدا في زمانه مثله . قلت : الحديث الذي كتبه عنه وسمعه منه الإمام أحمد هو ما رواه من حديث حماد بن سلمة عن أبي العشراء الدارمي عن أبيه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن العتيرة ، فحسنها " .

وقال إبراهيم الحربي وغيره : ألين لأبي داود الحديث كما ألين لداود الحديد . وقال غيره : كان أحد حفاظ الإسلام للحديث وعلله وسنده ، في أعلى درجة النسك والعفاف والصلاح والورع ، من فرسان الحديث . وقال غيره : كان ابن مسعود يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم . في هديه ودله وسمته ، وكان علقمة يشبهه ، وكان إبراهيم يشبه علقمة ، وكان منصور يشبه إبراهيم ، وكان سفيان يشبه منصورا ، وكان وكيع يشبه سفيان ، وكان أحمد يشبه وكيعا ، وكان أبو داود يشبه أحمد بن حنبل .

[ ص: 619 ] وقال محمد بن بكر بن عبد الرزاق : كان لأبي داود كم واسع وكم ضيق ، فقيل له : ما هذا يرحمك الله ؟ فقال : هذا الواسع للكتب ، والآخر لا يحتاج إليه .

وقد كان مولد أبي داود في سنة ثنتين ومائتين ، وتوفي بالبصرة يوم الجمعة لأربع عشرة بقيت من شوال سنة خمس وسبعين ومائتين ; عن ثلاث وسبعين سنة ، ودفن إلى جانب قبر سفيان الثوري .

وقد ذكرنا ترجمته في كتابنا " التكميل " ، وذكرنا ثناء الأئمة عليه .

محمد بن إسحاق بن إبراهيم أبو العنبس الصيمري الشاعر ، كان مجيدا في شعره ، أديبا ، كثير الملح ، وكان هجاء ، ومن جيد شعره قوله :


كم مريض قد عاش من بعد يأس بعد موت الطبيب والعواد     قد يصاد القطا فينجو سليما
ويحل القضاء بالصياد

التالي السابق


الخدمات العلمية