[ ص: 11 ] ثم دخلت 
سنة ثنتي عشرة وثلاثمائة 
في المحرم منها اعترض 
القرمطي أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد الجنابي    - لعنه الله ، ولعن معه أباه - للحجيج وهم راجعون من بيت الله الحرام قد أدوا فرض الله عليهم ، فقطع عليهم الطريق ، فقاتلوه دفعا عن أموالهم وأنفسهم وحريمهم ، فقتل منهم خلقا كثيرا لا يعلمهم إلا الله ، عز وجل ، وأسر من نسائهم وأبنائهم ما اختاره ، واصطفى من أموالهم ما أراد ، فكان مبلغ ما أخذ من الأموال ما يقاوم ألف ألف دينار ، ومن الأمتعة والمتاجر نحو ذلك ، وترك بقية الناس - بعدما أخذ جمالهم وزادهم وأموالهم ونساءهم على بعد الديار في البرية - بلا زاد ولا ماء ولا محمل . وقد حاجف عن الناس نائب 
الكوفة  أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان  ، فقهره وأسره ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . وكان عدة من مع 
القرمطي  ثمانمائة مقاتل ، وعمره إذ ذاك سبع عشرة سنة ، قصمه الله . 
ولما انتهى خبرهم إلى 
بغداد  قام نساؤهم وأهاليهم في النياحة ، ونشرن شعورهن ولطمن وجوههن ، وانضاف إليهن نساء الذين نكبوا على يدي   
[ ص: 12 ]  nindex.php?page=showalam&ids=12841الوزير ابن الفرات  ، فكان 
ببغداد  يوم مشهود بسبب ذلك في غاية الفظاعة والشناعة ، ولما سأل الخليفة عن الخبر ، ذكر له أن هذه نسوة الحجيج ، ومعهن نساء الذين صادرهم 
ابن الفرات  ، وجاءت على يد الحاجب 
نصر القشوري  المشورة على الوزير ، وقال : يا أمير المؤمنين ، إنما استولى هذا 
القرمطي  بسبب إبعادك المظفر 
مؤنسا  الخادم ، فطمع هؤلاء في الأطراف ، وما أشار عليك بإبعاده إلا 
ابن الفرات    . وبعث الخليفة 
المقتدر  إلى 
 nindex.php?page=showalam&ids=12841الوزير ابن الفرات  ، يقول له : إن الناس يتكلمون فيك لنصحك إياي . وأرسل يطيب قلبه ، فركب هو وولده إلى الخليفة فدخلا عليه ، فأكرمهما وطيب قلوبهما ، وخرجا من عنده ، فناله أذى كثير من 
نصر الحاجب  وغيره من كبار الأمراء ، وجلس الوزير في دسته ، فحكم بين الناس على عادته ، وبات ليلته تلك مفكرا في أمره ، وأصبح كذلك وهو ينشد : 
فأصبح لا يدري وإن كان حازما أقدامه خير له أم وراءه 
ثم جاءه في ذلك اليوم أميران من جهة الخليفة 
المقتدر  فدخلا عليه داره إلى بين حرمه ، وأخرجوه مكشوفا رأسه ، وهو في غاية المذلة والإهانة ، فأركبوه في حراقة إلى الجانب الآخر . وفهم الناس ذلك ، فرجموا 
ابن الفرات   [ ص: 13 ] بالآجر ، وتعطلت الجوامع ، وسخمت العامة المحاريب ، ولم يصل الناس الجمعة فيها ، وأخذ خطه بألفي ألف دينار ، وأخذ خط ابنه بثلاثة آلاف ألف دينار ، وسلما إلى 
نازوك  أمير الشرطة ، فاعتقلا حينا ، وخلص منهما الأموال ، فلما قدم 
مؤنس الخادم  سلم إليه 
 nindex.php?page=showalam&ids=12841الوزير ابن الفرات  ، فأهانه غاية الإهانة بالضرب والتقريع له ولولده 
المحسن  المجرم الذي ليس بمحسن ، ثم قتلا بعد ذلك . فكانت وزارته هذه الثالثة ; عشرة أشهر وأياما . واستوزر 
أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن خاقان  ، وذلك في تاسع ربيع الأول من هذه السنة . 
وكان الخليفة قد أرسل إلى 
مؤنس الخادم  ليحضر ، فدخل 
بغداد  في تجمل عظيم ، وسلم إليه 
ابن الفرات  كما ذكرنا ، فعاقبه ، وشفع إلى الخاقاني في أن يرسل إلى 
علي بن عيسى    - وكان قد صار إلى 
صنعاء  من 
اليمن  مطرودا - فعاد إلى 
مكة  وبعث إليه الوزير أن ينظر في أمر 
الشام  ومصر  ، وأمر الخليفة 
 nindex.php?page=showalam&ids=16864مؤنسا الخادم  بالمسير إلى ناحية 
الكوفة  لأجل 
القرامطة  ، وأنفق على خروجه إلى هنالك ألف ألف دينار ، وأطلق 
القرمطي  من كان أسره من الحجيج وكانوا ألفي رجل وخمسمائة امرأة ، وأطلق 
أبا الهيجاء  نائب 
الكوفة  معهم أيضا ، وكتب إلى الخليفة يسأل منه 
البصرة  والأهواز  ، فلم يجب إلى ذلك ، وركب المظفر 
مؤنس   [ ص: 14 ] الخادم  في جحافل إلى بلاد 
الكوفة  فسكن أمرها ، ثم انحدر منها إلى 
واسط    ; خوفا عليها من 
القرامطة  ، واستناب على 
الكوفة  ياقوت الخادم  ، فتمهدت الأمور وانصلحت . 
وفي هذه السنة ظهر رجل بين 
الكوفة  وبغداد  ، فادعى أنه 
محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب  ، وصدقه على ذلك طائفة من الأعراب والطغام ، والتفوا عليه ، وقويت شوكته في شوال ، فأرسل إليه الوزير جيشا فقاتلوه فهزموه ، وقتلوا خلقا من أصحابه ، وتفرق بقيتهم . وهذا المدعي المذكور هو 
رئيس الإسماعيلية  وأولهم   . وظفر 
نازوك  نائب الشرطة بثلاثة من أصحاب 
الحلاج  وهم 
حيدرة  ، 
والشعراني  ، 
وابن منصور  ، فطالبهم بالرجوع ، فلم يرجعوا ، فضرب أعناقهم ، وصلبهم في الجانب الشرقي . ولم يحج في هذه السنة أحد من 
أهل العراق    ; لكثرة خوف الناس من 
القرامطة  ، لعنهم الله .