صفحة جزء
[ ص: 52 ] ثم دخلت سنة تسع عشرة وثلاثمائة

في المحرم من هذه السنة دخل الحجيج بغداد وقد خرج مؤنس الخادم إلى الحج في هذه السنة في جيش كثيف ، خوفا من القرامطة ، ففرح المسلمون بذلك ، وزينت بغداد يومئذ ، وضربت الخيام والقباب لمؤنس الخادم ، وقد بلغ مؤنسا في أثناء الطريق أن القرامطة أمامه ، فعدل بالناس عن جادة الطريق ، فأخذ بهم في شعاب وأودية ، فتاهوا هنالك أياما ، فشاهد الناس هنالك عجائب وغرائب ; رأوا عظاما في غاية الضخامة ، وشاهدوا ناسا قد مسخوا حجارة ، ورأى بعضهم امرأة واقفة على تنور قد مسخت حجرا والتنور قد صار حجرا ، وحمل مؤنس من ذلك شيئا كثيرا إلى الحضرة ليصدق ما يخبر به من ذلك . ذكره ابن الجوزي في " منتظمه " . فيقال : إنهم من قوم عاد أو من ثمود . فالله أعلم .

وفيها عزل المقتدر سليمان بن الحسن الوزير بعد سنة وشهرين وتسعة أيام ، واستوزر مكانه أبا القاسم عبيد الله بن محمد الكلوذاني ، ثم عزله بعد شهرين وثلاثة أيام ، واستوزر الحسين بن القاسم ، ثم عزله أيضا .

[ ص: 53 ] وفيها وقعت وحشة بين الخليفة ومؤنس الخادم ، بسبب أن الخليفة ولى الحسبة لرجل اسمه محمد بن ياقوت ، وكان أميرا على الشرطة أيضا ، فقال مؤنس : إن الحسبة لا يتولاها إلا القضاة والعدول ، وهذا لا يصلح لها ، ولم يزل بالخليفة حتى عزل محمد بن ياقوت عن الحسبة والشرطة أيضا ، وانصلح الحال بينهما ، ثم تجددت الوحشة بينهما في ذي الحجة من هذه السنة ، وما زالت تتزايد حتى آل الحال إلى قتل المقتدر بالله ، كما سنذكره .

وفي هذه السنة أوقع ثمل متولي طرسوس بالروم وقعة عظيمة جدا ، قتل منهم خلقا كثيرا ، وأسر نحوا من ثلاثة آلاف ، وغنم من الذهب والفضة والديباج شيئا كثيرا جدا ، ثم أوقع بهم مرة ثانية كذلك . وكتب ابن الديراني الأرمني إلى الروم يحضهم على الدخول إلى بلاد الإسلام ، ووعدهم منه النصر والإعانة ، فدخلوا في جحافل كثيرة جدا ، وانضاف إليهم الأرمن ، فركب إليهم مفلح ، غلام يوسف بن أبي الساج ، وهو يومئذ نائب أذربيجان واتبعه خلق كثير من المطوعة ، فقصد أولا بلاد ابن الديراني ، فقتل من الأرمن نحوا من مائة ألف ، وأسر خلقا كثيرا ، وغنم أموالا جزيلة جدا ، وتحصن ابن الديراني بقلعة له هنالك ، وجاءت الروم ، فوصلوا إلى سميساط فحاصروها ، فبعث أهلها يستصرخون بسعيد بن حمدان نائب الموصل فسار إليهم مسرعا ، فوجد الروم قد كادوا يفتحونها ، فلما علموا بقدومه أجلوا عنها واجتازوا بملطية فنهبوها ، ورجعوا خاسئين إلى بلادهم ، ومعهم ابن نفيس المتنصر ، وقد كان من أهل بغداد قبل ذلك كما ذكرناه قبل . وركب ابن حمدان في آثار الروم ، فدخل [ ص: 54 ] بلادهم ، فقتل خلقا كثيرا منهم ، وغنم أشياء كثيرة .

قال ابن الأثير : في هذه السنة في شوال جاء سيل عظيم إلى تكريت ارتفع في أسواقها أربعة عشر شبرا ، وغرق بسببه أربعمائة دار ، وخلق لا يعلمهم إلا الله ، حتى كان المسلمون والنصارى يدفنون جميعا ، لا يعرف هذا من هذا .

قال : وفيها هاجت بالموصل ريح فيها حمرة ، ثم اسودت حتى كان الإنسان لا يبصر صاحبه ، وظن الناس أن القيامة قد قامت ، ثم انجلى ذلك بمطر أرسله الله عليهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية