صفحة جزء
[ ص: 353 ] بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،

وذكر أيامه وغزواته وسراياه والوفود

إليه وشمائله وفضائله ودلائله الدالة عليه ،

باب ذكر نسبه الشريف ، وطيب أصله المنيف

قال الله تعالى الله أعلم حيث يجعل رسالته [ الأنعام : 124 ] ولما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان تلك الأسئلة عن صفاته عليه الصلاة والسلام قال : كيف نسبه فيكم ؟ قال : هو فينا ذو نسب . قال : كذلك الرسل تبعث في أنساب قومها . يعني : في أكرمها أحسابا ، وأكثرها قبيلة صلوات الله عليهم أجمعين .

فهو سيد ولد آدم وفخرهم في الدنيا والآخرة ، أبو القاسم وأبو إبراهيم محمد وأحمد والماحي الذي يمحى به الكفر والعاقب الذي ما بعده نبي والحاشر الذي يحشر الناس على قدميه والمقفى ونبي الرحمة [ ص: 354 ] ونبي التوبة ونبي الملحمة وخاتم النبيين والفاتح وطه ويس وعبد الله .

قال البيهقي : وزاد بعض العلماء فقال : سماه الله في القرآن رسولا نبيا أميا شاهدا مبشرا نذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، ورءوفا رحيما ومذكرا ، وجعله رحمة ونعمة وهاديا .

وسنورد الأحاديث المروية في أسمائه عليه الصلاة والسلام في باب نعقده بعد فراغ السيرة فإنه قد وردت أحاديث كثيرة في ذلك ، اعتنى بجمعها الحافظان الكبيران أبو بكر البيهقي ، وأبو القاسم ابن عساكر ، وأفرد الناس في ذلك مؤلفات حتى رام بعضهم أن يجمع له عليه الصلاة والسلام ألف اسم . وأما الفقيه الكبير أبو بكر ابن العربي المالكي شارح الترمذي بكتابه الذي سماه الأحوذي فإنه ذكر من ذلك أربعة وستين اسما . والله أعلم .

وهو ابن عبد الله وكان أصغر ولد أبيه عبد المطلب ، وهو الذبيح الثاني المفدى بمائة من الإبل كما تقدم .

قال الزهري : وكان أجمل رجال قريش ، وهو أخو الحارث والزبير وحمزة وضرار وأبي طالب واسمه عبد مناف وأبي لهب واسمه عبد العزى [ ص: 355 ] والمقوم واسمه عبد الكعبة ، وقيل هما اثنان ، وحجل واسمه المغيرة والغيداق وهو كثير الجود ، واسمه نوفل ، ويقال : إنه حجل والعباس فهؤلاء أعمامه عليه الصلاة والسلام ، وعماته ست; وهن أروى وبرة وأميمة وصفية وعاتكة وأم حكيم وهي البيضاء ، وسنتكلم على كل منهم فيما بعد إن شاء الله تعالى .

فهؤلاء أولاد عبد المطلب ، واسمه شيبة يقال : لشيبة كانت في رأسه ، ويقال له : شيبة الحمد لجوده ، وإنما قيل له : عبد المطلب; لأن أباه هاشما لما مر بالمدينة في تجارته إلى الشام نزل على عمرو بن زيد بن لبيد بن حرام بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار الخزرجي النجاري وكان سيد قومه فأعجبته ابنته سلمى فخطبها إلى أبيها فزوجها منه ، واشترط عليه مقامها عنده .

وقيل : بل اشترط عليه أن لا تلد إلا عنده بالمدينة فلما رجع من الشام بنى بها وأخذها معه إلى مكة فلما خرج في تجارة أخذها معه وهي حبلى فتركها بالمدينة ، ودخل الشام فمات بغزة ، ووضعت سلمى ولدها فسمته شيبة فأقام عند أخواله بني عدي بن النجار سبع سنين ، ثم جاء عمه المطلب بن عبد مناف فأخذه خفية من أمه فذهب به إلى مكة فلما رآه الناس ورأوه على الراحلة قالوا : من هذا معك ؟ فقال : عبدي . ثم جاءوا فهنئوه به وجعلوا يقولون له : عبد المطلب لذلك فغلب عليه وساد [ ص: 356 ] في قريش سيادة عظيمة ، وذهب بشرفهم ورئاستهم فكان جماع أمرهم عليه ، وكانت إليه السقاية والرفادة بعد المطلب وهو الذي جدد حفر زمزم بعدما كانت مطمومة من عهد جرهم وهو أول من حلى الكعبة بذهب في أبوابها من تينك الغزالتين اللتين من ذهب وجدهما في زمزم مع تلك الأسياف القلعية .

قال ابن هشام : وعبد المطلب أخو أسد ونضلة وأبي صيفي وحية وخالدة ورقية والشفاء وضعيفة ، كلهم أولاد هاشم واسمه عمرو وإنما سمي هاشما; لهشمه الثريد مع اللحم لقومه في سني المحل ، كما قال مطرود بن كعب الخزاعي في قصيدته ، وقيل : هي لعبد الله بن الزبعرى :


عمرو الذي هشم الثريد لقومه قوم بمكة مسنتين عجاف     سنت إليه الرحلتان كلاهما سفر الشتاء ورحلة الأصياف

وذلك; لأنه أول من سن رحلتي الشتاء والصيف وكان أكبر ولد أبيه ، وحكى ابن جرير أنه كان توءم أخيه عبد شمس ، وأن هاشما خرج ورجله [ ص: 357 ] ملتصقة برأس عبد شمس فما تخلصت حتى سال بينهما دم فقال الناس : بذلك يكون بين أولادهما حروب فكانت وقعة بني العباس مع بني أمية بن عبد شمس سنة ثلاث وثلاثين ومائة من الهجرة ، وشقيقهم الثالث المطلب وكان المطلب أصغر ولد أبيه ، وأمهم عاتكة بنت مرة بن هلال ، ورابعهم نوفل من أم أخرى ، وهي واقدة بنت عمرو المازنية كانوا قد سادوا قومهم بعد أبيهم ، وصارت إليهم الرياسة وكان يقال لهم : المجيرون; وذلك لأنهم أخذوا لقومهم قريش الأمان من ملوك الأقاليم; ليدخلوا في التجارات إلى بلادهم فكان هاشم قد أخذ أمانا من ملوك الشام والروم وغسان وأخذ لهم عبد شمس من النجاشي الأكبر ملك الحبشة وأخذ لهم نوفل من الأكاسرة وأخذ لهم المطلب أمانا من ملوك حمير ، ولهم يقول الشاعر :

يا أيها الرجل المحول رحله ألا نزلت بآل عبد مناف وكان إلى هاشم السقاية والرفادة بعد أبيه ، وإليه وإلى أخيه المطلب نسب ذوي القربى ، وقد كانوا شيئا واحدا في حالتي الجاهلية والإسلام لم يفترقوا ، ودخلوا معهم في الشعب ، وانخذل عنهم بنو عبد شمس ونوفل ، ولهذا يقول أبو طالب في قصيدته :

جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا عقوبة شر عاجلا غير آجل ولا يعرف بنو أب تباينوا في الوفاة مثلهم فإن هاشما مات بغزة من أرض [ ص: 358 ] الشام ، وعبد شمس مات بمكة ، ونوفلا مات بسلمان من أرض العراق ، ومات المطلب - وكان يقال له : القمر لحسنه - بردمان من طريق اليمن فهؤلاء الإخوة الأربعة المشاهير وهم; هاشم وعبد شمس ونوفل والمطلب ، ولهم أخ خامس ليس بمشهور وهو أبو عمرو واسمه عبد ، وأصل اسمه عبد قصي فقال الناس : عبد بن قصي درج ولا عقب له . قاله الزبير بن بكار وغيره . وأخوات ست وهن; تماضر وحية وريطة وقلابة وأم الأخثم وأم سفيان ، كل هؤلاء أولاد عبد مناف ، ومناف اسم صنم ، وأصل اسم عبد مناف المغيرة وكان قد رأس في زمن والده ، وذهب به الشرف كل مذهب ، وهو أخو عبد الدار الذي كان أكبر ولد أبيه ، وإليه أوصى بالمناصب كما تقدم .

وعبد العزى وعبد وبرة وتخمر ، وأمهم كلهم حبى بنت حليل بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعي ، وأبوها آخر ملوك خزاعة وولاة البيت منهم ، وكلهم أولاد قصي واسمه زيد ، وإنما سمي بذلك; لأن أمه تزوجت بعد أبيه بربيعة بن حرام بن عذرة فسافر بها إلى بلاده وابنها صغير فسمي قصيا لذلك ، ثم عاد إلى مكة وهو كبير ، ولم شعث قريش وجمعها من متفرقات البلاد ، وأزاح يد خزاعة عن البيت [ ص: 359 ] وأجلاهم عن مكة ، ورجع الحق إلى نصابه ، وصار رئيس قريش على الإطلاق ، وكانت إليه الرفادة وهو سنها والسقاية والسدانة والحجابة واللواء ، وداره دار الندوة كما تقدم بسط ذلك كله ، ولهذا قال الشاعر :

قصي لعمري كان يدعى مجمعا به جمع الله القبائل من فهر وهو أخو زهرة كلاهما ابنا كلاب أخي تيم ، ويقظة أبي مخزوم ثلاثتهم أبناء مرة أخي عدي وهصيص ، وهم أبناء كعب وهو الذي كان يخطب قومه كل جمعة ، ويبشرهم بمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وينشد في ذلك أشعارا كما قدمنا وهو أخو عامر وسامة وخزيمة وسعد والحارث وعوف ، سبعتهم أبناء لؤي أخي تيم الأدرم ، وهما أبناء غالب أخي الحارث ، ومحارب ثلاثتهم أبناء فهر ، وهو أخو الحارث ، وكلاهما ابن مالك وهو أخو الصلت ويخلد ، وهم بنو النضر الذي إليه جماع قريش على الصحيح كما قدمنا الدليل عليه وهو أخو مالك وملكان وعبد مناة ، وغيرهم ، كلهم أولاد كنانة أخي أسد وأسدة والهون أولاد خزيمة ، وهو أخو هذيل ، وهما ابنا مدركة - واسمه عمرو أخو طابخة [ ص: 360 ] - واسمه عامر - وقمعة ثلاثتهم أبناء إلياس ، وأخو إلياس هو عيلان والد قيس كلها وهما ولدا مضر أخي ربيعة ، ويقال لهما : الصريحان من ولد إسماعيل ، وأخواهما أنمار وإياد تيامنا ، أربعتهم أبناء نزار أخي قضاعة - في قول طائفة ممن ذهب إلى أن قضاعة حجازية عدنانية - وقد تقدم بيانه ، كلاهما أبناء معد بن عدنان .

وهذا النسب بهذه الصفة لا خلاف فيه بين العلماء فجميع قبائل عرب الحجاز ينتهون إلى هذا النسب ، ولهذا قال ابن عباس وغيره في قوله تعالى : ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنى إن الله غفور شكور [ الشورى : 23 ] لم يكن بطن من بطون قريش ، إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم نسب يتصل بهم . وصدق ابن عباس رضي الله عنه فيما قال ، وأزيد مما قال; وذلك أن جميع قبائل العرب العدنانية تنتهي إليه بالآباء وكثير منهم بالأمهات أيضا ، كما ذكر محمد بن إسحاق وغيره في أمهاته وأمهات آبائه وأمهاتهم ، مما يطول ذكره . وقد حرره ابن إسحاق رحمه الله والحافظ ابن عساكر ، وقد ذكرنا في ترجمة عدنان ، نسبه وما قيل فيه ، وأنه من ولد إسماعيل لا محالة ، وإن اختلف في كم بينهما أبا ؟ على أقوال قد بسطناها

[ ص: 361 ] فيما تقدم . والله أعلم .

وقد ذكرنا بقية النسب من عدنان إلى آدم ، وأوردنا قصيدة أبي العباس الناشئ المتضمنة ذلك ، كل ذلك في أخبار عرب الحجاز ولله الحمد .

وقد تكلم الإمام أبو جعفر بن جرير رحمه الله في أول تاريخه على ذلك كلاما مبسوطا جيدا محررا نافعا . وقد ورد حديث في انتسابه عليه السلام إلى عدنان وهو على المنبر ، ولكن الله أعلم بصحته كما قال الحافظ أبو بكر البيهقي : أنبأنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عمر بن حفص المقرئ ببغداد حدثنا أبو عيسى بكار بن أحمد بن بكار حدثنا أبو جعفر أحمد بن موسى بن سعيد إملاء سنة ست وتسعين ومائتين حدثنا أبو جعفر محمد بن أبان القلانسي حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن ربيعة القدامي حدثنا مالك بن أنس عن الزهري عن أنس ، وعن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال : بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن رجالا من كندة يزعمون أنهم منه وأنه منهم فقال : إنما كان يقول ذلك العباس وأبو سفيان بن حرب ليأمنا بذلك ، وإنا لن ننتفي من آبائنا نحن بنو النضر بن كنانة قال : وخطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أنا محمد بن عبد الله [ ص: 362 ] بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار وما افترق الناس فرقتين إلا جعلني الله في خيرها فأخرجت من بين أبوي فلم يصبني شيء من عهر الجاهلية ، وخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح ، من لدن آدم حتى انتهيت إلى أبي وأمي فأنا خيركم نفسا وخيركم أبا .

وهذا حديث غريب جدا من حديث مالك تفرد به القدامى وهو ضعيف . ولكن سنذكر له شواهد من وجوه أخر; فمن ذلك قوله خرجت من نكاح لا من سفاح قال عبد الرزاق : أخبرنا ابن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه أبي جعفر الباقر في قوله تعالى لقد جاءكم رسول من أنفسكم [ التوبة : 128 ] قال : لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية . قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني خرجت من نكاح ، ولم أخرج من سفاح . وهذا مرسل جيد . وهكذا رواه البيهقي عن الحاكم عن الأصم عن محمد بن إسحاق [ ص: 363 ] الصاغاني عن يحيى بن أبي بكير عن عبد الغفار بن القاسم عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله أخرجني من النكاح ، ولم يخرجني من السفاح .

وقد رواه ابن عدي موصولا فقال : حدثنا أحمد بن حفص حدثنا محمد بن أبي عمرو العدني المكي حدثنا محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين قال : أشهد على أبي حدثني عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : خرجت من نكاح ، ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي ، ولم يصبني من سفاح الجاهلية شيء . وهذا غريب من هذا الوجه ولا يكاد يصح .

وقال هشيم : حدثنا المديني عن أبي الحويرث عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما ولدني من نكاح أهل الجاهلية شيء ، ما ولدني إلا نكاح كنكاح الإسلام . وهذا أيضا غريب أورده الحافظ ابن عساكر ، ثم أسنده من حديث أبي هريرة ، وفي إسناده ضعف . والله أعلم .

[ ص: 364 ] وقال محمد بن سعد : أخبرنا محمد بن عمر حدثني محمد بن عبد الله بن مسلم عن عمه الزهري عن عروة عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ولدت من نكاح غير سفاح . ثم أورد ابن عساكر من حديث أبي عاصم عن شبيب عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى وتقلبك في الساجدين [ الشعراء : 219 ] قال : من نبي إلى نبي حتى أخرجت نبيا ، ورواه عن عطاء .

وقال محمد بن سعد : أخبرنا هشام بن محمد الكلبي عن أبيه قال : كتبت للنبي صلى الله عليه وسلم خمسمائة أم فما وجدت فيهن سفاحا ولا شيئا مما كان من أمر الجاهلية .

وثبت في صحيح البخاري من حديث عمرو بن أبي عمرو عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا حتى بعثت من القرن الذي كنت فيه وفي صحيح مسلم من حديث الأوزاعي عن شداد أبي عمار عن واثلة بن الأسقع ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل ، واصطفى من بني إسماعيل بني كنانة ، واصطفى من بني كنانة [ ص: 365 ] قريشا ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم . .

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو نعيم عن سفيان عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن المطلب بن أبي وداعة قال : قال العباس ( بلغه صلى الله عليه وسلم بعض ما يقول الناس فصعد المنبر فقال : من أنا ؟ قالوا : أنت رسول الله قال : أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، إن الله خلق الخلق فجعلني في خير خلقه ، وجعلهم فرقتين فجعلني في خير فرقة ، وخلق القبائل فجعلني في خير قبيلة ، وجعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا فأنا خيركم بيتا ، وخيركم نفسا . صلوات الله وسلامه عليه دائما أبدا إلى يوم الدين .

وقال يعقوب بن سفيان : حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسماعيل بن أبي خالد عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن العباس بن عبد المطلب قال : قلت : يا رسول الله إن قريشا إذا التقوا لقي بعضهم بعضا بالبشاشة ، وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك غضبا شديدا ، ثم قال : والذي نفس محمد بيده ، لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله . فقلت : يا رسول الله إن قريشا جلسوا فتذاكروا أحسابهم فجعلوا مثلك كمثل نخلة في كبوة من الأرض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله يوم خلق الخلق جعلني في خيرهم ، ثم لما فرقهم قبائل جعلني في خيرهم قبيلة ، ثم حين جعل البيوت جعلني في خير [ ص: 366 ] بيوتهم فأنا خيرهم نفسا وخيرهم بيتا ورواه أبو بكر بن أبي شيبة عن ابن فضيل عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن ربيعة بن الحارث قال : بلغ النبي صلى الله عليه وسلم فذكره بنحو ما تقدم ، ولم يذكر العباس .

وقال يعقوب بن سفيان حدثني يحيى بن عبد الحميد حدثني قيس بن عبد الله عن الأعمش عن عباية بن ربعي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله قسم الخلق قسمين فجعلني في خيرهما قسما فذلك قوله وأصحاب اليمين [ الواقعة : 27 ] وأصحاب الشمال [ الواقعة : 41 ] فأنا من أصحاب اليمين ، وأنا خير أصحاب اليمين ، ثم جعل القسمين أثلاثا فجعلني في خيرها ثلثا فذلك قوله أصحاب الميمنة [ الواقعة : 8 ] والسابقون السابقون [ الواقعة : 10 ] فأنا من السابقين وأنا خير السابقين ، ثم جعل الأثلاث قبائل فجعلني في خيرها قبيلة فذلك قوله وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير [ الحجرات : 13 ] وأنا أتقى ولد آدم وأكرمهم على الله ولا فخر ، ثم جعل القبائل بيوتا فجعلني في خيرها بيتا ، وذلك قوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا [ الأحزاب : 33 ] فأنا وأهل بيتي مطهرون من الذنوب . وهذا الحديث فيه غرابة ، ونكارة .

وروى الحاكم والبيهقي من حديث محمد بن ذكوان خال ولد حماد بن [ ص: 367 ] زيد عن عمرو بن دينار عن ابن عمر قال إنا لقعود بفناء النبي صلى الله عليه وسلم إذ مرت به امرأة فقال بعض القوم : هذه ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو سفيان : مثل محمد في بني هاشم مثل الريحانة في وسط النتن فانطلقت المرأة فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف في وجهه الغضب فقال : ما بال أقوال تبلغني عن أقوام إن الله خلق السماوات سبعا فاختار العلياء منها فأسكنها من شاء من خلقه ، ثم خلق الخلق فاختار من الخلق بني آدم ، واختار من بني آدم العرب ، واختار من العرب مضر ، واختار من مضر قريشا ، واختار من قريش بني هاشم ، واختارني من بني هاشم فأنا خيار من خيار فمن أحب العرب فبحبي أحبهم ، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم . وهذا أيضا حديث غريب .

وثبت في الصحيح ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وروى الحاكم والبيهقي أيضا من حديث موسى بن عبيدة حدثنا عمرو بن عبد الله بن نوفل عن الزهري عن أبي أسامة - أو أبي سلمة - عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال لي جبريل : قلبت الأرض من مشارقها ومغاربها فلم أجد رجلا أفضل من محمد وقلبت [ ص: 368 ] الأرض مشارقها ومغاربها فلم أجد بني أب أفضل من بني هاشم . قال الحافظ البيهقي : وهذه الأحاديث ، وإن كان في رواتها من لا يحتج به فبعضها يؤكد بعضا ، ومعنى جميعها يرجع إلى حديث واثلة بن الأسقع . والله أعلم .

قلت : وفي هذا المعنى يقول أبو طالب يمتدح النبي صلى الله عليه وسلم :


إذا اجتمعت يوما قريش لمفخر فعبد مناف سرها وصميمها     فإن حصلت أشراف عبد منافها ففي هاشم أشرافها
وقديمها وإن فخرت يوما فإن محمدا هو المصطفى من سرها     وكريمها تداعت قريش غثها وسمينها
علينا فلم تظفر وطاشت حلومها وكنا قديما لا نقر ظلامة     إذا ما ثنوا صعر الخدود نقيمها ونحمي حماها كل يوم كريهة
ونضرب عن أجحارها من يرومها     بنا انتعش العود الذواء وإنما بأكنافنا تندى وتنمى أرومها

وقال أبو السكين زكريا بن يحيى الطائي في الجزء المنسوب إليه [ ص: 369 ] المشهور : حدثني عم أبي زحر بن حصن عن جده حميد بن منهب قال قال جدي خريم بن أوس : هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدمت عليه منصرفه من تبوك فأسلمت فسمعت العباس بن عبد المطلب يقول : يا رسول الله إني أريد أن أمتدحك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قل لا يفضض الله فاك فأنشأ يقول :


من قبلها طبت في الظلال وفي مستودع حيث يخصف الورق ثم     هبطت البلاد لا بشر أنت ولا مضغة ولا علق
بل نطفة تركب السفين وقد ألجم نسرا وأهله الغرق     تنقل من صالب إلى رحم إذا مضى عالم بدا طبق
حتى احتوى بيتك المهيمن من خندف علياء تحتها النطق     وأنت لما ولدت أشرقت الأرض وضاءت بنورك الأفق
فنحن في ذلك الضياء وفي ال     نور وسبل الرشاد نخترق

وقد روي هذا الشعر لحسان بن ثابت فروى الحافظ أبو القاسم ابن [ ص: 370 ] عساكر من طريق أبي الحسن بن أبي الحديد أخبرنا أبو محمد بن أبي نصر أنا عبد السلام بن أحمد بن محمد القرشي حدثنا أبو حصين محمد بن إسماعيل بن محمد التميمي حدثنا محمد بن عبد الله الزاهد الخراساني حدثني إسحاق بن إبراهيم بن بنان حدثنا سلام بن سليمان أبو العباس المكفوف المدائني حدثنا ورقاء بن عمر عن ابن أبي نجيح عن عطاء ، ومجاهد عن ابن عباس قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : فداك أبي وأمي أين كنت ، وآدم في الجنة ؟ قال : فتبسم حتى بدت نواجذه ، ثم قال : كنت في صلبه ، وركب بي السفينة في صلب أبي نوح ، وقذف بي في صلب أبي إبراهيم لم يلتق أبواي على سفاح قط ، لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الحسيبة إلى الأرحام الطاهرة ، صفتي مهدي لا ينشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما وقد أخذ الله بالنبوة ميثاقي ، وبالإسلام عهدي ، وبشر في التوراة والإنجيل ذكري وبين كل نبي صفتي تشرق الأرض بنوري والغمام لوجهي ، وعلمني كتابه وروى بي سحابه ، وشق لي اسما من [ ص: 371 ] أسمائه فذو العرش محمود وأنا محمد ، ووعدني أن يحبوني بالحوض والكوثر ، وأن يجعلني أول شافع وأول مشفع ، ثم أخرجني من خير قرن لأمتي ، وهم الحمادون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .

قال ابن عباس فقال حسان بن ثابت في النبي صلى الله عليه وسلم :

من قبلها طبت في الظلال وفي مستودع يوم يخصف الورق     ثم سكنت البلاد لا بشر أنت ولا نطفة ولا علق
مطهر تركب السفين وقد ألجم نسرا وأهله الغرق     تنقل من أصلب إلى رحم إذا مضى طبق بدا طبق

فقال النبي صلى الله عليه وسلم يرحم الله حسان فقال علي بن أبي طالب ، وجبت الجنة لحسان ورب الكعبة . ثم قال الحافظ ابن عساكر : هذا حديث غريب جدا قلت : بل منكر جدا .

قال : والمحفوظ أن هذه الأبيات للعباس رضي الله عنه ، ثم أوردها من حديث أبي السكن زكريا بن يحيى الطائي كما تقدم قلت : ومن الناس من يزعم أنها للعباس بن مرداس السلمي . فالله أعلم .

[ ص: 372 ] تنبيه : قال القاضي عياض في كتابه الشفاء : وأما أحمد الذي أتى في الكتب ، وبشرت به الأنبياء فمنع الله بحكمته أن يسمى به أحد غيره ولا يدعى به مدعو قبله حتى لا يدخل لبس على ضعيف القلب أو شك ، وكذلك محمد لم يسم به أحد من العرب ولا غيرهم ، إلى أن شاع قبل وجوده وميلاده ، أن نبيا يبعث اسمه محمد فسمى قوم قليل من العرب أبناءهم بذلك رجاء أن يكون أحدهم هو . والله أعلم حيث يجعل رسالاته وهم; محمد بن أحيحة بن الجلاح الأوسي ، ومحمد بن سلمة الأنصاري ، ومحمد بن البراء الكندي ، ومحمد بن سفيان بن مجاشع ، ومحمد بن حمران الجعفي ، ومحمد بن خزاعي السلمي لا سابع لهم ، ويقال : إن أول من سمي محمدا محمد بن سفيان بن مجاشع واليمن تقول : بل محمد بن اليحمد من الأزد ، ثم إن الله حمى كل من تسمى به أن يدعي النبوة أو يدعيها له أحد أو يظهر عليه سبب يشكك أحدا في أمره حتى تحققت السمتان له صلى الله عليه وسلم لم ينازع فيهما . هذا لفظه .

التالي السابق


الخدمات العلمية