صفحة جزء
[ ص: 188 ] وممن توفي فيها من الأعيان :

الحسن بن حمويه بن الحسين ، القاضي الإستراباذي

روى الكثير ، وحدث ، وكان له مجلس للإملاء ، وحكم ببلده مدة طويلة ، وكان من المتهجدين بالأسحار ، ويضرب به المثل في مروءته ووجاهته ، وقد مات فجأة على صدر جاريته عند إنزاله ، رحمه الله .

عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله ، أبو عبد الله الختلي

سمع ابن أبي الدنيا وغيره ، وحدث عنه الدارقطني وخلق ، وكان ثقة ثبتا حافظا ، حدث من حفظه بخمسين ألف حديث .

عبد السلام بن رغبان بن عبد السلام بن حبيب بن عبد الله بن رغبان بن زيد بن تميم أبو محمد الكلبي

الملقب بديك الجن
، الشاعر الماجن الشيعي ، ويقال : إنه من موالي بني تميم . وكانت له أشعار قوية خمارية وغير خمارية ، وقد استجاد أبو نواس من شعره في الخماريات .

[ ص: 189 ] علي بن عيسى بن داود بن الجراح ، أبو الحسن الوزير

وزر للمقتدر والقاهر ، ولد سنة خمس وأربعين ومائتين ، وسمع الكثير ، وعنه الطبراني وغيره ، وكان ثقة ثبتا فاضلا عفيفا ، كثير التلاوة والصلاة والصيام ، يحب أهل العلم ويكثر مجالستهم ، وكان أصله من الفرس وكان من أكبر القائمين على الحلاج

وقد روي عنه أنه قال : ملكت سبعمائة ألف دينار ، أنفقت منها في وجوه الخير ستمائة ألف وثمانين ألفا .

ولما دخل مكة حين نفي من بغداد طاف بالبيت وبالصفا والمروة ، وكان حر شديد ، فجاء المنزل ، فألقى نفسه كالميت ، وقال : أشتهي على الله شربة بثلج . فقال له بعض أصحابه : إن هذا مما لا يتهيأ هاهنا . فقال : أعرف ، ولكني استروحت إلى المنى . فلما كان في أثناء النهار جاءت سحابة فأمطرت ، ثم سقط برد شديد كثير ، فجمع له صاحبه ذاك من البرد شيئا كثيرا وخبأه له ، وكان الوزير صائما ، فلما أمسى جاء المسجد ، فأقبل إليه صاحبه بأنواع من الأشربة كلها بثلج ، فجعل يسقيه من حوله من الصوفية والمجاورين ولم يشرب هو شيئا من ذلك ، فلما رجع إلى المنزل ، جئته بشيء من ذلك الشراب كنا قد [ ص: 190 ] خبأناه له ، وأقسمت عليه ليشربنه ، فشربه بعد جهد ، وقال : كنت أشتهي لو كنت تمنيت المغفرة . رحمه الله وغفر له .

ومن شعر الوزير أبي الحسن علي بن عيسى قوله :


فمن كان عني سائلا بشماتة لما نابني أو شامتا غير سائل     فقد أبرزت مني الخطوب ابن حرة
صبورا على أهوال تلك الزلازل

وقد روى أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي ، عن أبيه ، عن جماعة ، أن عطارا من أهل الكرخ كان مشهورا بالسنة ، ركبه ستمائة دينار دينا ، فغلق دكانه ، وانكسر عن كسبه ، ولزم منزله ، وأقبل على الدعاء والتضرع والصلاة ليالي كثيرة ، فلما كان في بعض تلك الليالي رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يقول له : اقصد علي بن عيسى الوزير ، فقد أمرته لك بأربعمائة دينار . فلما أصبح الرجل قصد باب الوزير ، فلم يعرفه أحد ، فجلس لعل أحدا يستأذن له عليه حتى طال عليه المجلس ، وهم بالانصراف ، ثم إنه قال لبعض الحجبة : قل للوزير : إني رجل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ، وأنا أريد أن أقصه على الوزير ، فقال له الحاجب : وأنت الرائي ؟ إن الوزير قد أنفذ في طلبك رسلا متعددة . ثم دخل ، فما كان بأسرع من أن أدخلني عليه ، فأقبل عليه الوزير يستعلم عن اسمه وصفته ومنزله ، فذكر ذلك له ، فقال له الوزير : إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يأمرني [ ص: 191 ] بإعطائك أربعمائة دينار ، فأصبحت لا أدري من أسأل عنك ، وقد أرسلت في طلبك إلى الآن عدة من الرسل ، فجزاك الله خيرا في قصدك إياي . ثم أمر بإحضار ألف دينار ، فقال : هذه أربعمائة دينار لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وستمائة هبة من عندي . فقال الرجل : لا والله لا أزيد على ما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإني أرجو الخير والبركة فيه ، ثم أخذ منها أربعمائة دينار ، فقال الوزير : هذا هو الصدق واليقين . فخرج الرجل ، فعرض على أرباب الديون أموالهم ، فقالوا : نحن نصبر عليك ثلاث سنين ، وافتح بهذا الذهب دكانك ، ودم على كسبك . فأبى إلا أن يعطيهم من أموالهم الثلث ، فدفع إليهم مائتي دينار ، وفتح الدكان بالمائتين الأخرى ، فما حال الحول حتى كسب ألف دينار .

ولعلي بن عيسى الوزير أخبار كثيرة صالحة . وكانت وفاته في هذه السنة عن تسعين سنة ، ويقال : في التي قبلها ، والله أعلم .

محمد بن إسماعيل بن إسحاق بن بحر ، أبو عبد الله الفارسي

الفقيه الشافعي ، كان ثقة ثبتا فاضلا ، سمع أبا زرعة الدمشقي وغيره ، وعنه الدارقطني وغيره ، وآخر من حدث عنه أبو عمر بن مهدي . وكانت وفاته في شوال من هذه السنة .

هارون بن محمد بن هارون بن علي بن موسى بن عمرو بن جابر بن [ ص: 192 ] يزيد بن جابر بن عامر بن أسيد بن تيم بن صبح بن ذهل بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة أبو جعفر ، والد القاضي أبي عبد الله الحسين بن هارون .

كان أسلافه ملوك عمان في قديم الزمان ، ويزيد بن جابر أدركه الإسلام ، فأسلم وحسن إسلامه ، وكان هارون هذا أول من انتقل من أهله من عمان فنزل بغداد وحدث بها وروى عنه ابنه ، وكان فاضلا متضلعا من كل فن ، وكانت داره مجمع العلماء في سائر الفنون ، ونفقاته دارة عليهم ، وكانت له منزلة عالية ، ومهابة وافرة ببغداد ، وقد أثنى عليه الدارقطني ثناء كثيرا ، وقال : كان مبرزا في النحو واللغة والشعر ومعاني القرآن والكلام .

قال ابن الأثير : وفيها توفي أبو بكر محمد بن يحيى بن عبد الله بن العباس بن صول الصولي ، وكان عالما بفنون الآداب والأخبار . وإنما ذكره ابن الجوزي في التي بعدها ، كما سيأتي .

أبو العباس بن القاص أحمد بن أبي أحمد الطبري الفقيه الشافعي ، [ ص: 193 ] تلميذ ابن سريج ، له كتاب " التلخيص " ، وكتاب " المفتاح " وهو مختصر ، شرحه أبو عبد الله الختن وأبو علي السنجي أيضا ، وكان أبوه يقص على الناس الأخبار والآثار ، وأما هو فتولى قضاء طرسوس وكان يعظ الناس أيضا ، فحصل له خشوع ، فسقط مغشيا عليه ، فمات في سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة . وقيل : سنة ست وثلاثين . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية