صفحة جزء
ترجمة النقفور ملك الأرمن ، واسمه الدمستق

الذي توفي في سنة ثنتين - وقيل : ست - وخمسين وثلاثمائة . لا رحمه الله .

[ ص: 288 ] كان هذا الملعون من أغلظ الملوك قلبا ، وأشدهم كفرا ، وأقواهم بأسا ، وأحدهم شوكة ، وأكثرهم قتالا للمسلمين في زمانه ، استحوذ في أيامه - لعنه الله - على كثير من السواحل ، أو أكثرها ، وانتزعها من أيدي المسلمين قسرا ، واستمرت في يده قهرا ، وأضيفت إلى مملكة الروم قدرا ، وذلك لتقصير أهل ذلك الزمان ، وظهور البدع الشنيعة فيهم وكثرة العصيان .

وقد ورد حلب في مائتي ألف مقاتل بغتة في سنة إحدى وخمسين ، وجال فيها جولة ، ففر من بين يديه صاحبها سيف الدولة ، ففتحها اللعين عنوة ، وقتل من أهلها من الرجال والنساء ما لا يعلمه إلا الله ، وخرب دار سيف الدولة التي كانت ظاهر حلب وأخذ أموالها وحواصلها وعددها ، وبدد شملها ، وفرق عددها ، واستفحل أمر الملعون ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . وبالغ في الاجتهاد في قتال الإسلام وأهله ، وجد في التشمير ، فالحكم لله العلي الكبير .

وقد كان - لعنه الله - لا يدخل في بلدة إلا قتل المقاتلة وبقية الرجال ، وسبى النساء والأطفال ، وجعل جامعها إصطبلا لخيوله ، وكسر منبرها ، وأسكت مؤذنيها بخيله ورجله وطبوله . ولم يزل ذلك من دأبه وديدنه حتى سلط الله عليه [ ص: 289 ] زوجته ، فقتلته بجواريها في وسط مسكنه ، وأراح الله منه الإسلام وأهله ، وأزاح عنهم قتام ذلك الغمام ، ومزق شمله ، فلله النعمة والإفضال ، وله الحمد على كل حال .

واتفق في سنة وفاته موت صاحب القسطنطينية فتكاملت المسرات ، وحصلت الأمنية ، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وتذهب السيئات ، وبرحمته تغفر الزلات .

والمقصود أن هذا اللعين - أعني النقفور الملقب بالدمستق ملك الأرمن - كان قد أرسل قصيدة إلى الخليفة المطيع لله نظمها له بعض كتابه - ممن كان قد خذله الله وأذله ، وختم على سمعه وقلبه ، وجعل على بصره غشاوة ، وصرفه عن الإسلام وأصله - يفتخر فيها لهذا اللعين ، ويتعرض لسب الإسلام والمسلمين ، ويتوعد فيها أهل حوزة الإسلام بأنه سيملكها كلها حتى الحرمين الشريفين ، عما قريب من الأعوام ، وهو أقل وأذل وأخس وأضل من الأنعام ، ويزعم أنه ينتصر لدين المسيح ، عليه السلام ، ابن البتول . وربما يعرض فيها بجناب الرسول ، عليه من ربه التحية والإكرام ودوام الصلاة مدى الأيام ، ولم يبلغني عن أحد من أهل ذلك العصر أنه رد عليه جوابه ، ربما أنها لم تشتهر ، أو أنهم رأوا أنه [ ص: 290 ] أقل من أن يردوا خطابه ; لأنه كالمعاند الجاحد ، ونفس ناظمها يدل على أنه شيطان مارد . وقد انتخى للجواب عنها فيما بعد ذلك أبو محمد بن حزم الظاهري ، فأفاد وأجاد ، وأجاب عن كل فصل باطل بالصواب والسداد ، فبل الله بالرحمة ثراه ، وجعل الجنة منقلبه ومثواه .

وها أنا أذكر القصيدة الأرمنية المخذولة الملعونة ، وأتبعها بالفريدة الإسلامية المنصورة الميمونة .

قال المرتد الكافر الأرمني على لسان ملكه ، لعنهما الله وأهل ملتهم أجمعين أكتعين أبتعين أبصعين ، آمين يا رب العالمين . ومن خط ابن عساكر كتبتها ، وقد نقلوها من كتاب " صلة الصلة " للفرغاني :


من الملك الطهر المسيحي مالك إلى خلف الأملاك من آل هاشم     إلى الملك الفضل المطيع أخي العلا
ومن يرتجى للمعضلات العظائم     أما سمعت أذناك ما أنا صانع
بلى فدهاك الوهن عن فعل حازم      [ ص: 291 ] فإن تك عما قد تقلدت نائما
فإني عما همني غير نائم     ثغوركم لم يبق فيها لوهنكم
وضعفكم إلا رسوم المعالم     فتحنا الثغور الأرمنية كلها
بفتيان صدق كالليوث الضراغم     ونحن جلبنا الخيل تعلك لجمها
ويبلغ منها قضمها للشكائم     إلى كل ثغر بالجزيرة آهل
إلى جند قنسرينكم فالعواصم     ملطيه مع سميساط من بعد كركر
وفي البحر أضعاف الفتوح التواخم     وبالحدث الحمراء جالت عساكري
وكيسوم بعد الجعفري المعالم     وكم قد ذللنا من أعزة أهلها
فصاروا لنا من بين عبد وخادم     وسد سروج إذ خربنا بجمعنا
لمئذنة تعلو على كل قائم     وأهل الرها لاذوا بنا وتحزموا
بمنديل مولى جل عن وصف آدم     وصبح رأس العين منا بطارق
ببيض غذوناها بضرب الجماجم     ودارا وميافارقين وأرزنا
صبحناهم بالخيل مثل الضراغم     وأقريطش جرت إليها مراكبي
على ظهر بحر مزبد متلاطم      [ ص: 292 ] فحزتهم أسرى وسيقت نساؤهم
ذوات الشعور المسبلات الفواحم     هناك فتحنا عين زربة عنوة
نعم وأبدنا كل طاغ وظالم     إلى حلب حتى استبحنا حريمها
وهدم منها سورها كل هادم     أخذنا النسا ثم البنات نسوقهم
وصبيانهم مثل المماليك خادم     وقد فر عنها سيف دولة دينكم
وناصرها منا على رغم راغم     وملنا على طرسوس ميلة هائل
أذقنا لمن فيها لحز الحلاقم     فكم ذات عز حرة علوية
منعمة الأطراف ريا المعاصم     سبينا فسقنا خاضعات حواسرا
بغير مهور لا ولا حكم حاكم     وكم من قتيل قد تركنا مجدلا
يصب دما بين اللها واللهازم     وكم وقعة في الدرب أفنت كماتكم
وسقناهم قسرا كسوق البهائم     وملنا على أرتاحكم وحريمها
مدوخة تحت العجاج السواهم     فأهوت أعاليها وبدل رسمها
من الأنس وحشا بعد بيض نواعم     إذا صاح فيها البوم جاوبه الصدى
وأتبعه في الربع نوح الحمائم     وأنطاك لم تبعد علي وإنني
سأفتحها يوما بهتك المحارم     ومسكن آبائي دمشق فإنني
سأرجع فيها ملكنا تحت خاتمي [ ص: 293 ]     ومصر سأفتحها بسيفي عنوة
وآخذ أموالا بها لبهائمي     وأجزي كافورا بما يستحقه
بمشط ومقراض ومص محاجم     ألا شمروا يا أهل حران شمروا
أتتكم جيوش الروم مثل الغمائم     فإن تهربوا تنجوا كراما وتسلموا
من الملك الضاري بقتل المسالم     هناك نصيبين وموصلها إلى
جزيرة آبائي وملك الأقادم     سأفتح سامرا وكوثى وعكبرا
وتكريتها مع ماردين العواصم     وأقتل أهليها الرجال بأسرهم
وأغنم أموالا بها لكتايم     ألا شمروا يا أهل بغداد ويلكم
فكلكم مستضعف غير رائم     رضيتم بحكم الديلمي خليفة
فصرتم عبيدا للعبيد الديالم     ويا قاطني الرملات ويلكم ارجعوا
إلى أرض صنعاء وأرض التهائم     وعودوا إلى أرض الحجاز أذلة
وخلوا بلاد الروم أهل المكارم     سألقي جيوشي نحو بغداد سائرا
إلى باب طاق حيث دار القماقم     وأحرق أعلاها وأهدم سورها
وأسبي ذراريها على رغم راغم     وأحرز أموالا بها وأسرة
وأقتل من فيها بسيف النقائم     وأسري بجيشي نحو الاهواز مسرعا
لإحراز ديباج وخز السواسم      [ ص: 294 ] وأشعلها نهبا وأخرب قصورها
وأسبي ذراريها كفعل الأقادم     ومنها إلى شيراز والري فاعلموا
خراسان قصدي والجيوش لخادم     إلى شاس بلخ بعدها وخواتها
وفرغانة مع مروها والمخازم     فسابور أخربها وأهدم حصنها
وأوردها يوما كيوم المسارم     إلى السوس أقصاها أدمر ملكها
إلى أصبهان الأرض شرق الأعاجم     وكرمان لا أنسى سجستان كلها
وكابلها الثاني وملك الأعاجم     من المشرق الأقصى إلى المغرب انثنى
إلى قيروان الأرض عرب الكتائم     أسير بجندي نحو بصرتها التي
لها بحر عاج رائع متلازم     إلى واسط وسط العراق وكوفة
بما كان يوما جدنا ذو العزائم     وأسرع منها نحو مكة سائرا
أجر جيوشا كالليالي السواجم     فأملكها دهرا عزيزا مسلما
أقيم بها للحق كرسي عالم     وأحوي نجدا كلها وتهامها
وسرواتها من مذحج وقحاطم     وأغزو يمانا كلها وزبيدها
وصنعاءها مع صعدة والتهائم     إلى حضرموت سهلها وجبالها
إلى هجر أحسائها والتهائم [ ص: 295 ] .     فأتركها أيضا يبابا بلاقعا
خلاء من الأهلين أرض نعائم     وأحوي أموال اليمانين كلها
وما جمع القرماط يوم محارم     أعود إلى القدس التي شرفت لنا
بعز مكين ثابت الأصل قائم     وأعلو سريري للسجود فيشتفي
ملوك بني حوا بحمل الدراهم     هنالك تخلو الأرض من كل مسلم
لكل نقي الدين أغلف ناعم     نصرنا عليكم حين جار ولاتكم
وأعلنتم بالمنكرات العظائم     قضاتكم باعوا القضاء بدينهم
كبيع ابن يعقوب ببخس الدراهم     عدولكم بالزور يشهد كلهم
وبالبر والبرطيل مع كل قائم     سأفتح أرض الله شرقا ومغربا
وأنشر دين الصلب نشر العمائم     فعيسى علا فوق السماوات عرشه
ففاز الذي والاه يوم الخصائم     وصاحبكم في الترب أودى به الثرى
فصار رفاتا بين تلك الرمائم     تناولتم أصحابه بعد موته
بسب وقذف وانتهاك محارم

هذا آخرها ، لعن الله ناظمها وأسكنه النار يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار [ غافر : 52 ] يوم يدعو ناظمها ثبورا ، ويصلى سعيرا ، ويباشر ذلا طويلا ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا .

[ ص: 296 ] وهذا جوابها لأبي محمد بن حزم الفقيه الظاهري الأندلسي ، قالها ارتجالا حين بلغته هذه الملعونة ; غضبا لله ولرسوله ، كما شاهده من رآه ، فرحمه الله وأكرم مثواه ، وغفر له زلله وخطاياه :


من المحتمي بالله رب العوالم     ودين رسول الله من آل هاشم
محمد الهادي إلى الله بالتقى     وبالرشد والإسلام أفضل قائم
عليه من الله السلام مرددا     إلى أن يوافي البعث كل العوالم
إلى قائل بالإفك جهلا وضلة     عن النقفور المفتري في الأعاجم
دعوت إماما ليس من أمر آله     بكفيه إلا كالرسوم الطواسم
دهته الدواهي في خلافته كما     دهت قبله الأملاك دهم الدواهم
ولا عجب من نكبة أو ملمة     تصيب الكريم الحر وابن الأكارم
ولو أنه في حال ماضي جدوده     لجرعتم منه سموم الأراقم
عسى عطفة لله في أهل دينه     تجدد منهم دارسات المعالم
فخرتم بما لو كان فهم يريكم     حقائق حكم الله أحكم حاكم
إذن لعرتكم خجلة عند ذكره     وأخرس منكم كل فاه مخاصم
[ ص: 297 ] سلبناكم كرا ففزتم بغرة     من الكر أفعال الضعاف العزائم
فطرتم سرورا عند ذاك ونخوة     كفعل المهين الناقص المتعاظم
وما ذاك إلا في تضاعيف غفلة     عرتنا وصرف الدهر جم الملاحم
ولما تنازعنا الأمور تخاذلا     ودالت لأهل الجهل دولة ظالم
وقد شغلت فينا الخلائف فتنة     لعبدانهم من تركهم والديالم
بكفر أياديهم وجحد حقوقهم     بمن رفعوه من حضيض البهائم
وثبتم على أطرافنا عند ذاكم     وثوب لصوص عند غفلة نائم
ألم ننتزع منكم بأيد وقوة     جميع بلاد الشام ضربة لازم
ومصر وأرض القيروان بأسرها     وأندلسا قسرا بضرب الجماجم
ألم تنتصف منكم على ضعف حالها     صقلية في بحرها المتلاطم
. أحلت بقسطنطينة كل نكبة     وسامتكم سوء العذاب الملازم
مشاهد تقديساتكم وبيوتها     لنا وبأيدينا على رغم راغم
أما بيت لحم والقمامة بعدها     بأيدي رجال المسلمين الأعاظم
وكرسيكم في أرض إسكندرية     وكرسيكم في القدس في أورشالم
[ ص: 298 ] ضممناهم قسرا برغم أنوفكم     كما ضمت الساقين سود الأداهم
وكرسي أنطاكية كان برهة     ودهرا بأيدينا بذل الملاغم
فليس سوى كرسي رومة فيكم     وكرسي قسطنطينة في المقادم
ولا بد من عود الجميع بأسره     إلينا بعز قاهر متعاظم
أليس يزيد حل وسط دياركم     على باب قسطنطينة بالصوارم
ومسلمة قد داسها بعد ذاكم     بجيش لهام كالليوث الضراغم
وأخدمكم بالذل مسجدنا الذي     بني فيكم في عصره المتقادم
إلى جنب قصر الملك من دار ملككم     ألا هذه حقا صريمة صارم
وأدى لهارون الرشيد مليككم     إتاوة مغلوب وجزية غارم
سلبناكم مسرى شهورا بقوة     حبانا بها الرحمن أرحم راحم
إلى بيت يعقوب وأرياف دومة     إلى لجة البحر البعيد المحارم
فهل سرتم في أرضنا قط جمعة     أبى الله ذاكم يا بقايا الهزائم
فما لكم إلا الأماني وحدها     بضائع نوكى تلك أحلام نائم
رويدا يعد نحو الخلافة نورها     ويسفر مغبر الوجوه السواهم
[ ص: 299 ] وحينئذ تدرون كيف فراركم     إذا صدمتكم خيل جيش مصادم
على سالف العادات منا ومنكم     ليالي أنتم في عداد الغنائم
سبيتم سبايا يحصر العد دونها     وسبيكم فينا كقطر الغمائم
فلو رام خلق عدها رام معجزا     وأنى بتعداد لريش الحمائم
بأبناء حمدان وكافور صلتم     أراذل أنجاس قصار المعاصم
دعي وحجام سطوتم عليهما     وما قدر مصاص دماء المحاجم
فهلا على دميانة قبل ذاك أو     على محل أربا رماة الضراغم
ليالي قادوكم كما اقتاد جازر     حلائب أتياس لحز الحلاقم
وساقوا على رسل بنات ملوككم     سبايا كما سيقت ظباء الصرائم
ولكن سلوا عنا هرقلا ومن خلا     لكم من ملوك مكرمين قماقم
يخبركم عنا المتوج منكم     وقيصركم عن سبينا للكرائم
وعما فتحنا من منيع بلادكم     وعما أقمنا فيكم من مآتم
ودع كل نذل مفتر لا تعده     إماما ولا من محكمات الدعائم
فهيهات سامرا وتكريت منكم     إلى جبل تلكم أماني هائم
متى يتمناها الضعيف ودونها     تطاير هامات وحز الغلاصم
[ ص: 300 ] ومن دون بغداد سيوف حديدة     مسيرة شهر للفنيق القواصم
محلة أهل الزهد والخير والتقى     ومنزلة محتلها كل عالم
دعوا الرملة الصهباء عنكم فدونها     من المسلمين الصيد كل مقاوم
ودون دمشق جمع جيش كأنه     سحائب طير تنتحي بالقوادم
وضرب يلقي الكفر كل مذلة     كما ضرب السكي بيض الدراهم
ومن دون أكناف الحجاز جحافل     كقطر الغيوث الهاملات السواجم
بها من بني عدنان كل سميدع     ومن حي قحطان كرام العمائم
وأموالكم حل لهم ودماؤكم     بها يشتفى حر النفوس الحوائم
ولو قد لقيتم من قضاعة كبة     لقيتم ضراما في يبيس الهشائم
. إذا صبحوكم ذكروكم بما خلا     لهم معكم من مأزق متلاحم
زمان يقودون الصوافن نحوكم     فجئتم ضمانا أنكم في المغانم
سيأتيكم منهم قريبا عصائب     تنسيكم تذكار أخذ العواصم
وأرضكم حقا سيقتسمونها     كما فعلوا دهرا بعدل المقاسم
ولو طرقتكم من خراسان عصبة     وشيراز والري القلاع القوائم
لما كان منكم عند ذلك غير ما     عهدنا لكم ذل وعض الأباهم
[ ص: 301 ] فقد طال ما زاروكم في دياركم     مسيرة عبام بالخيول الصلادم
وأما سجستان وكرمان والألى     بكابل حلوا في بلاد البراهم
وفي فارس والسوس جمع عرمرم     وفي أصبهان كل أروع عازم
فلو قد أتاكم جمعهم لغدوتم     فرائس للآساد مثل البهائم
وبالبصرة الزهراء والكوفة التي     سمت وبأدنى واسط كالكظائم
جموع تسامي الرمل جم عديدها     فما أحد ينوي لقاهم بسالم
ومن دون بيت الله في مكة التي     حباها بمجد للثريا مزاحم
محل جميع الأرض منها تيقنا     محلة سفل الخف من فص خاتم
دفاع من الرحمن عنها بحقها     فما هو عنها كر طرف برائم
بها دفع الأحبوش عنها وقبلهم     بحصباء طير في ذرا الجو حائم
وجمع كموج البحر ماض عرمرم     حمى سرة البطحاء ذات المحارم
ومن دون قبر المصطفى وسط طيبة     جموع كمسود من الليل فاحم
يقودهم جيش الملائكة العلا     كفاحا ودفعا عن مصل وصائم
فلو قد لقيناكم لعدتم رمائما     بمن في أعالي نجدنا والتهائم
وباليمن الممنوع فتيان غارة      . إذا ما لقوكم كنتم كالمطاعم
وفي حلتي أرض اليمامة عصبة     مغاور أنجاد طوال البراجم
ستفنيكم والقرمطيين دولة     تعود لميمون النقيبة حازم
[ ص: 302 ] خليفة حق ينصر الدين حكمه     ولا يتقي في الله لومة لائم
إلى ولد العباس تنمى جدوده     بفخر عميم أو لزهر العباشم
ملوك جرى بالنصر طائر سعدهم     فأهلا بماض منهم وبقادم
محلتهم في مسجد القدس أو لدى     منازل بغداد محل المكارم
وإن كان من عليا عدي وتيمها     ومن أسد أهل الصلاح الحضارم
فأهلا وسهلا ثم نعمى ومرحبا     بهم من خيار سالفين أقادم
هم نصروا الإسلام نصرا مؤزرا     وهم فتحوا البلدان فتح المراغم
رويدا فوعد الله بالصدق وارد     بتجريع أهل الكفر طعم العلاقم
سنفتح قسطنطينة وذواتها     ونجعلكم قوت النسور القشاعم
ونملك أقصى أرضكم وبلادكم     ونلزمكم ذل الجزى والمغارم
ونفتح أرض الصين والهند عنوة     بجيش لأرض الترك والخزر حاطم
مواعيد للرحمن فينا صحيحة     وليست كأمثال العقول السقائم
إلى أن يرى الإسلام قد عم حكمه     جميع البلاد بالجيوش الصوارم
أتقرن يا مخذول دين مثلث     بعيدا عن المعقول بادي المآثم
تدين لمخلوق يدين عباده     فيا لك سحقا ليس يخفى لكاتم
أناجيلكم مصنوعة بتكاذب     كلام الألى فيها أتوا بالعظائم
[ ص: 303 ] وعود صليب ما تزالون سجدا     له يا عقول الهاملات السوائم
تدينون تضلالا بصلب إلهكم     بأيدي يهود أرذلين ألائم
إلى ملة الإسلام توحيد ربنا .     فما دين ذي دين لنا بمقاوم
وصدق رسالات الذي جاء بالهدى     محمد الآتي بدفع المظالم
وأذعنت الأملاك طوعا لدينه     ببرهان صدق ظاهر في المواسم
كما دان في صنعاء مالك دولة     وأهل عمان حيث رهط الجهاضم
وسائر أملاك اليمانين أسلموا     ومن بلد البحرين قوم اللهازم
أجابوا لدين الله دون مخافة     ولا رغبة تحظى بها كف عادم
فحلوا عرى التيجان طوعا ورغبة     بحق يقين بالبراهين ناجم
وحاباه بالنصر المكين إلهه     وصير من عاداه تحت المناسم
فقير وحيد لم تعنه عشيرة     ولا دفعوا عنه شتيمة شاتم
ولا عنده مال عتيد لناصر     ولا دفع مرهوب ولا لمسالم
ولا وعد الأنصار مالا يخصهم     بلى كان معصوما لأقدر عاصم
فلم تمتهنه قط قوة آسر     ولا مكنت من جسمه يد لاطم
كما يفتري إفكا وزورا وضلة     على وجه عيسى منكم كل آثم
على أنكم قد قلتم هو ربكم     فيا لضلال في الحماقة عائم
أبى الله أن يدعى له ابن وصاحب     ستلقى دعاة الكفر حالة نادم
[ ص: 304 ] ولكنه عبد نبي مكرم     من الناس مخلوق ولا قول زاعم
أيلطم وجه الرب تبا لنوككم     لقد فقتم في ظلمكم كل ظالم
وكم آية أبدى النبي محمد     وكم علم أبداه للشرك حاطم
تساوى جميع الناس في نصر حقه     فللكل في إعظامه حال خادم
فعرب وأحبوش وفرس وبربر     وكرديهم قد فاز قدح المراحم
وقبط وأنباط وخزر وديلم     وروم رموكم دونه بالقواصم
أبوا كفر أسلاف لهم فتحنفوا     فآبوا بحظ في السعادة جاثم
به دخلوا في ملة الحق كلهم     ودانوا لأحكام الإله اللوازم
به صح تفسير المنام الذي أتى     به دانيال قبله ختم خاتم
وسند وهند أسلموا وتدينوا     بدين الهدى في رفض دين الأعاجم
وشق لنا بدر السموات آية     وأشبع من صاع له كل طاعم
وسالت عيون الماء في وسط كفه     فأروى به جيشا كثير الهماهم
وجاء بما تقضي العقول بصدقه     ولا كدعاو غير ذات قوائم
عليه سلام الله ما ذر شارق     تعاقبه ظلماء أسحم قاتم
براهينه كالشمس لا مثل قولكم     وتخليطكم في جوهر وأقانم
لنا كل علم من قديم ومحدث     وأنتم حمير داميات المحازم
أتيتم بشعر بارد متخاذل     ضعيف معاني النظم جم البلاغم
فدونكها كالعقد فيه زمرد     ودر وياقوت بإحكام حاكم



التالي السابق


الخدمات العلمية