[ ص: 396 ] ثم دخلت سنة تسع وستين وثلاثمائة 
في المحرم منها توفي الأمير 
عمران بن شاهين  صاحب بلاد 
البطيحة  منذ أربعين سنة ، تغلب عليها ، وعجز عنه الأمراء والملوك والخلفاء ، وبعثت إليه الجنود والسرايا والجيوش غير مرة ، فكل ذلك يفلها ويكسرها ، وكل ما له في تمكن وقوة ، ومكث كذلك هذه المدة كلها ، ومع هذا كله مات على فراشه حتف أنفه - فلا نامت أعين الجبناء - وقام بالأمر من بعده ولده 
الحسن  ، فرام 
عضد الدولة  أن ينتزع الملك من يده ، فأرسل إليه سرية فيها خلق من الجنود ، فكسرهم 
الحسن بن عمران بن شاهين  وردهم خائبين ، وكاد أن يتلفهم بالكلية حتى أرسل إليه 
عضد الدولة  ، فصالحه على مال يرسله إليه كل سنة ، وأخذوها من 
عضد الدولة  ، وهذا من العجائب الغريبة . 
وفي صفر قبض على 
الشريف أبي أحمد الحسين بن موسى الموسوي  نقيب 
الطالبيين  ، واتهم بأنه يفشي الأسرار ، وأن 
عز الدولة  أودع عنده عقدا ثمينا ، وأتي بكتاب أنه خطه في إفشاء الأسرار ، فأنكر أنه خطه ، وكان مزورا عليه ،   
[ ص: 397 ] واعترف بالعقد ، فأخذ منه ، وعزل عن النقابة ، وولي غيره فيها ، وكان مظلوما في ذلك . 
وفي هذا الشهر أيضا عزل 
عضد الدولة  قاضي القضاة 
أبا محمد بن معروف  ، وولى غيره . 
وفي شعبان ورد البريد من 
مصر  إلى 
عضد الدولة  بمراسلات كثيرة ، فرد الجواب بما مضمونه صدق النية وحسن الطوية ، ثم سأل 
عضد الدولة  من 
الطائع  أن يجدد عليه الخلع والجواهر ، وأن يزيد في ألقابه تاج الدولة ، فأجابه إلى ذلك كله ، فخلع عليه من أنواع الملابس ما لم يتمكن من تقبيل الأرض من كثرتها ، وفوض إليه ما وراء داره من الأمور ومصالح المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، وحضر ذلك الرؤساء والأمراء وأعيان الناس ، وكان يوما مشهودا . 
وأرسل في رمضان إلى الذعار من الأعراب من 
بني شيبان  وغيرهم ، فعقرهم وكسرهم وقهرهم ، وكان أميرهم 
ضبة بن محمد الأسدي  متحصنا 
بعين التمر  نيفا وثلاثين سنة ، فأخذت ديارهم ، وأخذت أموالهم ، وحالت أحوالهم ، ولله الحمد والمنة . 
وفي يوم الثلاثاء لتسع بقين من ذي القعدة تزوج الخليفة 
الطائع لله  بنت 
عضد الدولة  الكبرى ، وعقد العقد بحضرة الأعيان والرؤساء ، وكان عقدا هائلا حافلا ، على صداق مبلغه مائة ألف دينار ، ويقال : مائتا ألف دينار ، وكان وكيل 
عضد الدولة  الشيخ 
أبو علي الحسن بن أحمد الفارسي النحوي  ، صاحب   
[ ص: 398 ]   " الإيضاح والتكملة " ، وكان الذي خطب خطبة العقد القاضي 
أبو علي المحسن بن علي التنوخي  ، وكان يوما مشهودا . 
وفيها كان 
مقتل أبي تغلب بن ناصر الدولة بن حمدان  بالشام  ، قريبا من 
نوى  وأعمالها ، وكانت معه أخته 
جميلة  وزوجته بنت عمه 
سيف الدولة  ، فردتا إلى ابن عمه 
سعد الدولة بن سيف الدولة  صاحب 
حلب    . 
قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12569ابن الأثير    : وفيها جدد 
عضد الدولة  عمارة 
بغداد  ومحاسنها ، وجدد المساجد والمشاهد ، وأجرى على الفقهاء والأئمة الأرزاق والجرايات ، من الفقهاء والمحدثين والأطباء والحساب وغيرهم ، وأطلق الصلات لأرباب البيوتات والشرف ، وألزم أصحاب الأملاك 
ببغداد  بعمارة بيوتهم ودورهم ، ومهد الطرقات ، وأطلق المكوس ، وأصلح طريق الحجاج من 
بغداد  إلى 
مكة  وأرسل الصدقات للمجاورين 
بالحرمين  ، قال : فأذن لوزيره 
نصر بن هارون    - وكان نصرانيا - بعمارة البيع والديرة ، وإطلاق الأموال لفقرائهم . 
وفيها توفي 
حسنويه بن الحسين الكردي  ، وكان قد استحوذ على نواحي بلاد 
الدينور  وهمذان  ونهاوند مدة خمسين سنة ، وكان حسن السيرة كثير الصدقة 
بالحرمين  وغيرهما ، فلما توفي اختلف أولاده من بعده ، وتمزق شملهم ، وتمكن 
عضد الدولة  من أكثر بلاده ، وقويت شوكته في الأرض . 
وفي هذه السنة ركب 
عضد الدولة  في جيوش كثيفة إلى بلاد أخيه 
فخر   [ ص: 399 ] الدولة  ، وذلك لما كان بلغه من ممالآت 
عز الدولة  واتفاقهما عليه ، فلما تفرغ من أعدائه ، ركب ، فتسلم بلاد أخيه 
فخر الدولة    ; 
همذان  والري  وما بينهما من البلاد ، وسلم ذلك إلى أخيه 
مؤيد الدولة بويه بن ركن الدولة    ; ليكون نائبه عليها ، ثم سار إلى بلاد 
حسنويه الكردي  ، فتسلم بلاده وأخذ حواصله وذخائره ، وكانت جليلة كثيرة جدا ، وحبس بعض أولاده ، وأمر بعضهم ، وأرسل إلى 
الأكراد الهكارية  ، فأخذ منهم بعض بلادهم ، وعظم شأن 
عضد الدولة  وارتفع صيته وذكره إلا أنه أصابه في هذه السفرة داء الصرع ، وقد كان تقدم له مثله في 
الموصل  فكان يكتمه ، ولكنه غلب به كثرة النسيان ، فلا يذكر الشيء إلا بعد جهد جهيد ، والدنيا لا تسر بقدر ما تضر : 
دار إذا ما أضحكت في يومها أبكت غدا بعدا لها من دار