صفحة جزء
وممن توفي فيها من الأعيان :

أبو أحمد العسكري اللغوي ، وهو الحسن بن عبد الله بن سعيد ، أبو أحمد العسكري اللغوي

العلامة في فنه وتصانيفه المفيد في اللغة وغيرها ، يقال : إنه كان يميل إلى المعتزلة ، ولما قدم الصاحب بن عباد هو وفخر الدولة البلدة التي كان فيها أبو أحمد العسكري - وقد كبر وأسن - بعث إليه الصاحب بن عباد برقعة فيها هذه الأبيات :


ولما أبيتم أن تزوروا وقلتم ضعفنا فما نقوى على الوخدان     أتيناكم من بعد أرض نزوركم
فكم من منزل بكر لنا وعوان     نناشدكم هل من قرى لنزيلكم
بطول جوار لا بملء جفان

[ ص: 471 ] فكتب العسكري الجواب في ظهرها :


أروم نهوضا ثم يثني عزيمتي     تعوذ أعضائي من الرجفاني
فضمنت بيت ابن الشريد كأنما     تعمد تشبيهي به وعناني
أهم بأمر الحزم لو أستطيعه     وقد حيل بين العير والنزوان

ثم تحامل وركب بغلته ، وصار إلى الصاحب ، فوجده مشغولا في خيمته بأبهة الوزارة ، فصعد أكمة ، ثم نادى بأعلى صوته متمثلا بقول أبي تمام :


ما لي أرى القبة الفيحاء مقفلة     دوني وقد طال ما استفتحت مقفلها
كأنها جنة الفردوس معرضة     وليس لي عمل زاك فأدخلها

فلما سمع الصاحب صوته ناداه : ادخلها يا أبا أحمد ، فلك السابقة الأولى ، فلما صار إليه وقدم عليه أكرمه وعظمه وأحسن إليه .

توفي العسكري في يوم التروية من هذه السنة ، وقال ابن خلكان : ولد سنة ثلاث وتسعين ومائتين ، وتوفي سنة ثنتين وثمانين .

[ ص: 472 ] عبد الله بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبيد الله بن زياد بن مهران ، أبو القاسم الشاهد ، المعروف بابن الثلاج

لأن جده أهدى لبعض الخلفاء ثلجا ، فوقع منه موقعا ، فعرف عند الخليفة بالثلاج ، وقد سمع أبو القاسم هذا من البغوي وابن صاعد وابن أبي داود ، وحدث عن التنوخي والأزهري والعتيقي وغيرهم من الحفاظ . قال ابن الجوزي : وقد اتهمه المحدثون ، منهم الدارقطني ، ونسبوه إلى أنه كان يركب الإسناد ، ويضع الحديث على الرجال ، فالله أعلم ، وكانت وفاته في ربيع الأول فجأة .

ابن زولاق ، الحسن بن إبراهيم بن الحسين بن الحسن بن علي بن خلف بن راشد بن عبد الله بن سليمان بن زولاق ، أبو محمد المصري الحافظ

صنف كتابا في قضاة مصر ، ذيل به على كتاب أبي عمر محمد بن يوسف بن يعقوب الكندي في ذلك ، انتهى الكندي إلى سنة ست وأربعين ومائتين ، وذيل ابن زولاق من القاضي بكار إلى سنة ست وثمانين وثلاثمائة ، مبلغا به أيام محمد بن النعمان قاضي العبيديين ، وأظنه مصنف كتاب " البلاغ " الذي انتصب فيه للرد عليه القاضي الباقلاني ، أو هو مصنفه عبد العزيز بن النعمان ، والله أعلم .

وكانت وفاة ابن زولاق في أواخر ذي القعدة من هذه السنة عن إحدى [ ص: 473 ] وثمانين سنة ، رحمه الله تعالى .

ابن بطة ، عبيد الله بن محمد بن حمدان ، أبو عبد الله العكبري

المعروف بابن بطة
، أحد علماء الحنابلة ، وله الكتب والتصانيف الكثيرة الحافلة في فنون من العلم ، سمع الحديث من البغوي ، وأبي بكر النيسابوري وابن صاعد وخلق في أقاليم متعددة ، وعنه جماعة من الحفاظ ; منهم أبو الفتح بن أبي الفوارس والأزجي والبرمكي ، وأثنى عليه غير واحد من الأئمة .

وكان ممن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وقد رأى بعضهم في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله قد اختلفت علي المذاهب ، فقال : عليك بأبي عبد الله بن بطة ، فلما أصبح ذهب إليه ليبشره بالمنام فحين رآه ابن بطة تبسم إليه ، وقال له قبل أن يخاطبه : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثلاث مرات .

وقد تصدى الخطيب البغدادي للكلام في ابن بطة والطعن فيه ; بسبب ادعائه سماع " السنن " لرجاء بن مرجى و " معجم البغوي " ، وأسند بعض الجرح فيه إلى شيخه عبد الواحد بن علي الأسدي المعروف بابن برهان اللغوي ، فانتدب ابن الجوزي للرد على الخطيب ، والطعن عليه أيضا ، بسبب بعض مشايخه ، والانتصار لابن بطة ، فحكى عن أبي الوفاء بن عقيل أن ابن برهان كان يرى مذهب مرجئة المعتزلة في أن الكفار لا يخلدون في النار ، وقالوا : لأن دوام ذلك ممن لا يتشفى لا معنى له هنا ، مع أنه قد وصف نفسه بأنه أرحم الراحمين ، ثم شرع ابن عقيل [ ص: 474 ] يرد على ابن برهان . قال ابن الجوزي : فكيف يقبل الجرح والتعديل من مثل هذا ؟ !

ثم روى ابن الجوزي بسنده عن ابن بطة أنه سمع " المعجم " من البغوي ، قال : والمثبت مقدم على النافي ، قال الخطيب : وحدثني عبد الواحد بن برهان ، قال : قال محمد بن أبي الفوارس : روى ابن بطة عن البغوي ، عن أبي مصعب ، عن مالك ، عن الزهري ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب العلم فريضة على كل مسلم . قال الخطيب : وهذا باطل من حديث مالك ، والحمل فيه على ابن بطة . قال ابن الجوزي : وجواب هذا من وجهين ، أحدهما : أنه وجد بخط ابن برهان أن ما حكاه عنه الخطيب من القدح في ابن بطة باطل ، وهو شيخي أخذت عنه العلم في البداية ، الثاني : أن ابن برهان قد تقدم القدح فيه بما خالف فيه الإجماع ، فكيف قبلت القول في رجل قد حكيت عن مشايخ العلماء ، أنه رجل صالح مجاب الدعوة ، نعوذ بالله من الهوى .

علي بن عبد العزيز بن مدرك ، أبو الحسن البرذعي

روى عن أبي حاتم وغيره ، وكان كثير المال ، فترك الدنيا ، وأقبل على الاعتكاف في المسجد ، وكثرة الصلاة والعبادة .

فخر الدولة علي بن ركن الدولة بن بويه الديلمي

ملك بلاد الري ونواحيها ، وحين مات أخوه مؤيد الدولة ، كتب الصاحب بن عباد بالإسراع إليه ، [ ص: 475 ] فولاه الملك بعد أخيه ، واستوزر ابن عباد على ما كان عليه في أيام أخيه مؤيد الدولة . توفي عن ست وأربعين سنة ، منها مدة ملكه ثلاث عشرة سنة وعشرة أشهر وسبعة عشر يوما ، وترك من الأموال شيئا كثيرا ; من ذلك من الذهب ما يقارب ثلاثة آلاف ألف دينار ، ومن الجواهر نحوا من خمسة عشر ألف قطعة ، يقارب قيمتها ثلاث آلاف ألف دينار ، وغير ذلك من أواني الذهب زنته ألف ألف دينار ، ومن الفضة زنته ثلاثة آلاف ألف درهم ، ومن الثياب ثلاثة آلاف حمل ، وخزانة السلاح ألفا حمل ، ومن الفرش ألف وخمسمائة حمل ، ومن الأمتعة ما يليق بالملوك ، ومع هذا ليلة توفي لم يكن لهم وصول إلى شيء من المال ، ولم يحصل له كفن إلا ثوب رجل من المجاورين في المسجد ، واشتغلوا عنه بالملك حتى تم لولده رستم من بعده ، فأنتن الملك ، ولم يتمكن أحد من الوصول إليه ، فربطوه في حبال وجروه على درج القلعة ، فتقطع ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

ابن سمعون الواعظ ، محمد بن أحمد بن إسماعيل أبو الحسين بن سمعون الواعظ

أحد الصلحاء والعلماء ، وكان يقال له : الناطق بالحكمة ، روى عن أبي بكر بن أبي داود وطبقته ، وكان له يد طولى في الوعظ والتدقيق في المعاملات ، وكانت له كرامات ومكاشفات ، كان يوما يعظ الناس على المنبر ، وتحته أبو الفتح بن القواس ، وكان من الصالحين المشهورين ، فنعس ابن القواس ، فأمسك ابن سمعون عن الوعظ حتى استيقظ ، فحين استيقظ [ ص: 476 ] قال ابن سمعون : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامك هذا ؟ قال : نعم ، قال : فلهذا أمسكت عن الوعظ حتى لا أزعجك عما كنت فيه .

وكان لرجل ابنة مريضة مدنفة ، فرأى أبوها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يقول له : اذهب إلى ابن سمعون ليأتي منزلك فيدعو لابنتك وهي تبرأ بإذن الله تعالى ، فلما أصبح ذهب إلى ابن سمعون ليأتي ، فلما رآه ، نهض ولبس ثيابه وخرج معه ، فظن الرجل أنه يذهب إلى مجلس وعظه ، فقال : أقول له في أثناء الطريق ، فلما مر بدار الرجل دخل إليها الشيخ ، فأحضر إليه ابنته ، فدعا لها وانصرف ، فبرأت من ساعتها .

وبعث إليه الخليفة الطائع لله من أحضره وهو مغضب ، فخيف على ابن سمعون منه ، فلما جلس بين يديه أخذ في الوعظ ، وكان أكثر ما أورده من كلام علي بن أبي طالب فبكى الخليفة حتى سمع شهيقه ، ثم خرج من بين يديه وهو مكرم ، فقيل للخليفة : رأيناك طلبته وأنت غضبان ، فقال : بلغني أنه يتنقص عليا ، فأردت أن أعاقبه ، فلما حضر أكثر من ذكر علي ، فعلمت أنه موفق ، قد كوشف بما كان في خاطري عليه .

ورأى بعضهم في المنام رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى جانبه عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، وهو يقول : أليس من أمتي الأحبار ؟ أليس من أمتي الرهبان ؟ أليس من أمتي أصحاب الصوامع ؟ فبينا هما كذلك إذ دخل ابن سمعون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أفي أمتك مثل هذا ؟ فسكت عيسى عليه السلام .

كان مولد ابن سمعون في سنة ثلاثمائة ، وتوفي يوم الخميس الرابع عشر من [ ص: 477 ] ذي القعدة في هذه السنة ، ودفن بداره ، قال ابن الجوزي : ثم أخرج بعد سنين إلى مقبرة أحمد ، وأكفانه لم تبل ، رحمه الله تعالى .

آخر ملوك السامانية نوح بن منصور بن نوح بن نصر بن أحمد بن إسماعيل ، أبو القاسم الساماني

ملك خراسان وغزنة وما وراء النهر ، ولي الملك وله ثلاث عشرة سنة ، واستمر في الملك إحدى وعشرين سنة وتسعة أشهر ، ثم قبض عليه خواصه ، وأجلسوا أخاه عبد الملك مكانه ، فقصدهم محمود بن سبكتكين ، فانتزع الملك من أيديهم ، وقد كان لهم في الملك مائة سنة وسنتين وشهورا ، فباد ملكهم في هذا العام ، ولله النقض والإبرام .

أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان بن محمد بن سليمان الصعلوكي الفقيه الشافعي

إمام أهل نيسابور وشيخ تلك الناحية ، كان يحضر في مجلسه نحو من خمسمائة محبرة ، وكانت وفاته في هذه السنة على المشهور ، وقال الحافظ أبو يعلى الخليلي في " الإرشاد " : إنه مات في سنة ثنتين وأربعمائة ، فالله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية