صفحة جزء
[ ص: 514 ] ثم دخلت سنة سبع وتسعين وثلاثمائة

فيها كان خروج أبي ركوة على الحاكم العبيدي صاحب مصر .

وملخص أمر هذا الرجل : أنه كان من سلالة هشام بن عبد الملك بن مروان الأموي ، واسمه الوليد ، وإنما لقب بأبي ركوة ; لركوة كان يستصحبها في أسفاره على طريق الصوفية ، وقد كان سمع الحديث بالديار المصرية ، ثم أقام بمكة ، ثم باليمن ، ثم دخل الشام وهو في غبون هذا كله يبايع من انقاد له ، ممن يرى عنده همة ونهضة للقائم من ولد هشام بن عبد الملك الأموي ، ثم إنه أقام ببعض بلاد مصر في حلة من حلال العرب ، يعلم الصبيان ، ويظهر النسك والتقشف والعبادة والورع ، ويخبر بشيء من المغيبات ، حتى خضعوا له وعظموه جدا ، ثم دعا إلى نفسه ، وذكر لهم أنه الذي يدعو إليه من الأمويين ، فاستجابوا له وخضعوا ، وخاطبوه بأمير المؤمنين ، ولقب بالثائر بأمر الله المنتصر من أعداء الله .

ودخل برقة في جحفل ، فجمع له أهلها نحوا من مائتي ألف دينار ، وأخذ رجلا من اليهود اتهم بشيء من الودائع فأخذ منه مائتي ألف دينار أيضا ، ونقشوا الدراهم والدنانير بألقابه ، وخطب بالناس يوم الجمعة ، ولعن الحاكم في خطبته - ونعما فعل - فالتف على أبي ركوة من الجنود نحو من ستة عشر ألفا ، [ ص: 515 ] فلما بلغ الحاكم أمره وما آل إليه حاله ، بعث بخمسمائة ألف دينار وخمسة آلاف ثوب من الحرير إلى مقدم جيوش أبي ركوة - وهو الفضل بن عبد الله - يستميله إليه ويثنيه عن أبي ركوة ، فحين وصلته الأموال من الحاكم ، رجع عن أبي ركوة ، وقال : إنا لا طاقة لنا بالحاكم ، وما دمت بين أظهرنا فنحن مطلوبون بسببك ، فاختر لنفسك بلدا تكون فيها . فسأل أن يبعثوا معه فارسين يوصلانه إلى النوبة فإن بينه وبين ملكها مودة وصحبة ، فأرسله ، ثم بعث وراءه من رده إلى الحاكم بمصر ، فلما وصل إليه أركبه جملا وأشهره ، ثم قتله في اليوم الثاني ، ثم أكرم الحاكم الفضل ، وأقطعه إقطاعات كثيرة . واتفق مرض الفضل ، فعاده الحاكم مرتين ، فلما عوفي قتله ، وألحقه بصاحبه أيضا ، وكافأه مكافأة التمساح .

وفي رمضان منها عزل قرواش عما كان بيده ووليه أبو الحسن علي بن مزيد ، ولقب بسند الدولة .

وفيها هزم يمين الدولة محمود بن سبكتكين أتلك ملك الترك عن بلاد خراسان وقتل من الأتراك خلقا كثيرا .

وفيها قتل أبو العباس بن واصل صاحب البصرة وحمل رأسه إلى بهاء الدولة ، فطيف به بخراسان وفارس .

وفيها ثارت على الحجيج وهم بالطريق ريح سوداء مظلمة جدا ، واعترضهم [ ص: 516 ] ابن الجراح أمير الأعراب فاعتاقهم عن الذهاب ، ففاتهم الحج فرجعوا إلى بغداد فدخلوها في يوم التروية ، وكانت الخطبة بالحرمين للمصريين .

التالي السابق


الخدمات العلمية