صفحة جزء
[ ص: 470 ] فصل

قال ابن إسحاق وقد كانت خديجة بنت خويلد ذكرت لورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصى - وكان ابن عمها وكان نصرانيا قد تتبع الكتب ، وعلم من علم الناس - ما ذكر لها غلامها من قول الراهب وما كان يرى منه إذ كان الملكان يظلانه فقال ورقة : لئن كان هذا حقا يا خديجة إن محمدا لنبي هذه الأمة ، قد عرفت أنه كائن لهذه الأمة نبي ينتظر هذا زمانه أو كما قال فجعل ورقة يستبطئ الأمر ويقول حتى متى ؟ وقال في ذلك :


لججت وكنت في الذكرى لجوجا لهم طالما بعث النشيجا     ووصف من خديجة بعد وصف
فقد طال انتظاري يا خديجا     ببطن المكتين على رجائي
حديثك أن أرى منه خروجا     بما خبرتنا من قول قس
من الرهبان أكره أن يعوجا     بأن محمدا سيسود فينا
ويخصم من يكون له حجيجا      [ ص: 471 ] ويظهر في البلاد ضياء نور
يقيم به البرية أن تموجا     فيلقى من يحاربه خسارا
ويلقى من يسالمه فلوجا     فيا ليتني إذا ما كان ذاكم
شهدت وكنت أولهم ولوجا     ولوجا في الذي كرهت قريش
ولو عجت بمكتها عجيجا     أرجي بالذي كرهوا جميعا
إلى ذي العرش إن سفلوا عروجا     وهل أمر السفالة غير كفر
بمن يختار من سمك البروجا     فإن يبقوا وأبق يكن أمور
يضج الكافرون لها ضجيجا     وإن أهلك فكل فتى سيلقى
من الأقدار متلفة حروجا

وقال ورقة أيضا فيما رواه يونس بن بكير عن ابن إسحاق عنه :


أتبكر أم أنت العشية رائح     وفي الصدر من إضمارك الحزن قادح
لفرقة قوم لا أحب فراقهم     كأنك عنهم بعد يومين نازح
وأخبار صدق خبرت عن محمد     يخبرها عنه إذا غاب ناصح
[ ص: 472 ] فتاك الذي وجهت يا خير حرة     بغور وبالنجدين حيث الصحاصح
إلى سوق بصرى في الركاب التي غدت     وهن من الأحمال قعص دوالح
فيخبرنا عن كل خير بعلمه     وللحق أبواب لهن مفاتح
بأن ابن عبد الله أحمد مرسل     إلى كل من ضمت عليه الأباطح
وظني به أن سوف يبعث صادقا     كما أرسل العبدان هود وصالح
وموسى وإبراهيم حتى يرى له     بهاء ومنشور من الذكر واضح
ويتبعه حيا لؤي وغالب     شبابهم والأشيبون الجحاجح
فإن أبق حتى يدرك الناس دهره     فإني به مستبشر الود فارح
وإلا فإني يا خديجة فاعلمي     عن أرضك في الأرض العريضة سائح

وزاد الأموي

[ ص: 473 ]

فمتبع دين الذي أسس البنا     وكان له فضل على الناس راجح
وأسس بنيانا بمكة ثابتا     تلألأ فيه بالظلام المصابح
مثابا لأفناء القبائل كلها     تخب إليه اليعملات الطلائح
حراجيج أمثال القداح من السرى     يعلق في أرساغهن السرايح

ومن شعره فيما أورده أبو القاسم السهيلي في روضه


لقد نصحت لأقوام وقلت لهم     أنا النذير فلا يغرركم أحد
لا تعبدن إلها غير خالقكم     فإن دعوكم فقولوا بيننا حدد
سبحان ذي العرش سبحانا يدوم له     وقبلنا سبح الجودي والجمد
مسخر كل ما تحت السماء له .     لا ينبغي أن يناوي ملكه أحد
لا شيء مما نرى تبقى بشاشته     يبقى الإله ويودي المال والولد
[ ص: 474 ] لم تغن عن هرمز يوما خزائنه     والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا
ولا سليمان إذ تجري الرياح به     والجن والإنس فيما بينها مرد
أين الملوك التي كانت لعزتها     من كل أوب إليها وافد يفد
حوض هنالك مورود بلا كذب     لا بد من ورده يوما كما وردوا

ثم قال : هكذا نسبه أبو الفرج إلى ورقة . قال : وفيه أبيات تنسب إلى أمية بن أبي الصلت

قلت : وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يستشهد في بعض الأحيان بشيء من هذه الأبيات . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية