صفحة جزء
[ ص: 495 ] كتاب مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم

تسليما كثيرا ، وذكر شيء من البشارات بذلك

قال محمد بن إسحاق رحمه الله : وكانت الأحبار من اليهود والرهبان من النصارى والكهان من العرب قد تحدثوا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه لما تقارب زمانه أما الأحبار من اليهود والرهبان من النصارى فعما وجدوا في كتبهم من صفته وصفة زمانه وما كان من عهد أنبيائهم إليهم فيه قال الله تعالى الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل الآية [ الأعراف : 157 ] وقال الله تعالى وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد [ الصف : 6 ] وقال الله تعالى محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل الآية [ الفتح : 29 ] [ ص: 496 ] وقال الله تعالى وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين [ آل عمران : 81 ] وفي صحيح البخاري عن ابن عباس قال ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه ، وأمره أن يأخذ على أمته الميثاق لئن بعث محمد ، وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه وليتبعنه يعلم من هذا أن جميع الأنبياء بشروا وأمروا باتباعه .

وقد قال إبراهيم عليه السلام فيما دعا به لأهل مكة ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك الآية [ البقرة : 129 ] وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر حدثنا الفرج بن فضالة حدثنا لقمان بن عامر سمعت أبا أمامة قال قلت : يا رسول الله ما كان بدء أمرك قال : دعوة أبي إبراهيم ، وبشرى عيسى ، ورأت أمي أنه يخرج منها نور أضاءت له قصور الشام وقد روى محمد بن إسحاق عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان [ ص: 497 ] عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه مثله . ومعنى هذا أنه أراد بدء أمره بين الناس ، واشتهار ذكره وانتشاره فذكر دعوة إبراهيم الذي تنسب إليه العرب ، ثم بشرى عيسى الذي هو خاتم أنبياء بني إسرائيل ، كما تقدم يدل هذا على أن من بينهما من الأنبياء بشروا به أيضا .

أما في الملأ الأعلى فقد كان أمره مشهورا مذكورا معلوما من قبل خلق آدم عليه الصلاة والسلام كما قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا معاوية بن صالح عن سعيد بن سويد الكلبي عن عبد الأعلى بن هلال السلمي عن العرباض بن سارية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني عبد الله خاتم النبيين ، وإن آدم لمنجدل في طينته ، وسأنبئكم بأول ذلك ، دعوة أبي إبراهيم ، وبشارة عيسى بي ، ورؤيا أمي التي رأت ، وكذلك أمهات النبيين ترين وقد رواه الليث عن معاوية بن صالح ، وقال : إن أمه رأت - حين وضعته - نورا أضاءت منه قصور الشام .

[ ص: 498 ] وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا عبد الرحمن حدثنا منصور بن سعد عن بديل بن ميسرة عن عبد الله بن شقيق عن ميسرة الفجر قال قلت : يا رسول الله متى كنت نبيا ؟ قال : وآدم بين الروح والجسد تفرد بهن أحمد .

وقد رواه عمر بن أحمد بن شاهين في كتاب دلائل النبوة من حديث أبي هريرة فقال : حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز - يعني أبا القاسم البغوي - حدثنا أبو همام الوليد بن مسلم عن الأوزاعي حدثني يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم متى وجبت لك النبوة ؟ قال : بين خلق آدم ونفخ الروح فيه ورواه من وجه آخر عن الأوزاعي به . وقال وآدم منجدل في طينته .

وروي عن البغوي أيضا عن أحمد بن المقدام عن بقية بن سعيد بن بشير عن قتادة عن أبي هريرة مرفوعا في قول الله تعالى وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح [ الأحزاب : 7 ] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كنت أول النبيين في الخلق ، وآخرهم في البعث [ ص: 499 ] ومن حديث ابن مزاحم عن قيس بن الربيع عن جابر عن الشعبي عن ابن عباس قيل يا رسول الله متى كنت نبيا ؟ قال : وآدم بين الروح والجسد .

وأما الكهان من العرب فأتتهم به الشياطين من الجن مما تسترق من السمع ، إذ كانت لا تحجب عن ذلك بالقذف بالنجوم وكان الكاهن والكاهنة لا يزال يقع منهما بعض ذكر أموره ولا يلقي العرب لذلك فيه بالا حتى بعثه الله تعالى ، ووقعت تلك الأمور التي كانوا يذكرون فعرفوها فلما تقارب أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحضر زمان مبعثه حجبت الشياطين عن السمع ، وحيل بينها وبين المقاعد التي كانت تقعد لاستراق السمع فيها فرموا بالنجوم فعرفت الجن أن ذلك لأمر حدث من أمر الله عز وجل . قال وفي ذلك أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا [ الجن : 1 ، 2 ] إلى آخر السورة وقد ذكرنا تفسير ذلك كله في كتابنا التفسير ، وكذا قوله تعالى [ ص: 500 ] وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم الآيات [ الأحقاف : 29 ، 30 ] ذكرنا تفسير ذلك كله هناك .

قال محمد بن إسحاق : حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حدث أن أول العرب فزع للرمي بالنجوم حين رمي بها هذا الحي من ثقيف ، وأنهم جاءوا إلى رجل منهم يقال له : عمرو بن أمية أحد بني علاج وكان أدهى العرب وأنكرها رأيا فقالوا له : يا عمرو ألم تر ما حدث في السماء من القذف بهذه النجوم ؟ قال : بلى فانظروا فإن كانت معالم النجوم التي يهتدى بها في البر والبحر ، ويعرف بها الأنواء من الصيف والشتاء لما يصلح الناس في معايشهم هي التي يرمى بها فهو والله طي الدنيا ، وهلاك هذا الخلق ، وإن كانت نجوما غيرها ، وهي ثابتة على حالها فهذا لأمر أراد الله به هذا الخلق فانظروا ما هو ؟

قال ابن إسحاق : وحدثني بعض أهل العلم أن امرأة من بني سهم يقال لها : الغيطلة كانت كاهنة في الجاهلية جاءها صاحبها ليلة من الليالي فانقض تحتها ، ثم قال : أدر ما أدر يوم عقر ونحر . قالت قريش حين بلغها [ ص: 501 ] ذلك : ما يريد ؟ ثم جاءها ليلة أخرى فانقض تحتها ، ثم قال : شعوب ما شعوب ؟ يصرع فيه كعب لجنوب . فلما بلغ ذلك قريشا قالوا : ماذا يريد ؟ إن هذا لأمر هو كائن فانظروا ما هو فما عرفوه حتى كانت وقعة بدر وأحد بالشعب فعرفوا أنه كان الذي جاء به إلى صاحبته .

قال ابن إسحاق : وحدثني علي بن نافع الجرشي أن جنبا - بطنا من اليمن - كان لهم كاهن في الجاهلية فلما ذكر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وانتشر في العرب قالت له جنب : انظر لنا في أمر هذا الرجل ، واجتمعوا له في أسفل جبله فنزل إليهم حين طلعت الشمس فوقف لهم قائما متكئا على قوس له فرفع رأسه إلى السماء طويلا ثم جعل ينزو ، ثم قال : أيها الناس إن الله أكرم محمدا واصطفاه وطهر قلبه وحشاه ومكثه فيكم أيها الناس قليل ، ثم اشتد في جبله راجعا من حيث جاء ، ثم ذكر ابن إسحاق قصة سواد بن قارب وقد أخرناها إلى هواتف الجان .

التالي السابق


الخدمات العلمية