صفحة جزء
وممن توفي فيها من الأعيان :

[ ص: 654 ] أحمد بن كليب الشاعر

أحد من هلك بالعشق ، روى ابن الجوزي في " المنتظم " بسنده من طريق أبي عبد الله الحميدي بسنده : أن أحمد بن كليب هذا المسكين العثري تعشق شابا يقال له : أسلم بن أبي الجعد ، من بني خالد ، وكان فيهم وزارة وحجابة ، فأنشد فيه أشعارا تحدث الناس بها ، وكان أسلم هذا يطلب العلم في مجالس المشايخ ، فاستحيا من الناس وانقطع في داره ، فلا يجتمع بأحد من الناس ، فازداد غرام ابن كليب به حتى مرض من ذلك مرضا شديدا ، عاده الناس منه ، وكان في جملة من عاده بعض المشايخ ، فسأله عن مرضه فقال : أنتم تعلمون دائي ودوائي ، لو زارني أسلم ، ونظر إلي نظرة ، ونظرته نظرة واحدة برئت ، وإلا فأنا هالك . فرأى ذلك الشيخ من المصلحة أن لو دخل عليه وسأله أن يزوره ولو مرة واحدة مختفيا ، ولم يزل به حتى انطلقا إليه ، فلما دخلا دربه تغير الغلام واستحيا من الدخول عليه جدا ، [ ص: 655 ] ورجع ، فحرص به الرجل كل الحرص ليدخله عليه ، فأبى وانصرف ، فدخل الرجل على ابن كليب ، فذكر له ما كان من أمره ، وقد كان غلامه دخل إليه فبشره بقدوم أسلم عليه ، ففرح جدا ، فلما تحقق رجوعه اختلط كلامه واضطرب في نفسه ، ثم قال لذلك الرجل : اسمع يا أبا عبد الله مني واحفظ عني . ثم أنشأ يقول :


أسلم يا راحة العليل رفقا على الهائم النحيل     وصلك أشهى إلى فؤادي
من رحمة الخالق الجليل

فقال له الرجل : اتق الله ، ما هذه العظيمة ؟! فقال : قد كان . فخرج الرجل من عنده ، فما توسط الدرب حتى سمع الصراخ عليه ، وقد فارق الدنيا .

وهذه زلة شنعاء ، وعظيمة صلعاء ، وداهية دهياء ، ولولا أن هؤلاء الأئمة ذكروها ما ذكرتها ، ولكن فيها عبرة لأولي الألباب ، وتنبيه لذوي العقول أن يسألوا الله رحمته ولطفه بهم أن يثبتهم على الخير والإسلام والسنة عند الممات ، إنه كريم جواد .

قال الحميدي : وأنشدني أبو محمد علي بن أحمد ، قال : أنشدني محمد بن عبد الرحمن النحوي لأحمد بن كليب ، وقد أهدى إلى أسلم كتاب [ ص: 656 ] " الفصيح " لثعلب :


هذا كتاب الفصيح     بكل لفظ مليح
وهبته لك طوعا     كما وهبتك روحي



الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان بن حرب بن مهران ، أبو علي بن شاذان البزاز

أحد مشايخ الحديث ، سمع الكثير ، وكان ثقة صدوقا ، جاءه يوما شاب غريب ، فقال له : إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ، فقال لي : اذهب إلى أبي علي بن شاذان فسل عليه ، وأقرئه مني السلام . ثم انصرف الشاب ، فبكى الشيخ ، وقال : ما أعلم لي عملا أستحق به هذا غير صبري على إسماع الحديث ، وصلاتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما ذكر . ثم توفي بعد شهرين أو ثلاثة من هذه الرؤيا ، في محرم هذه السنة عن سبع وثمانين سنة ، ودفن بباب الدير ، رحمه الله تعالى .

الحسن بن عثمان بن أحمد بن الحسين بن سورة ، أبو عمر الواعظ ، المعروف بابن الفلو

سمع الحديث من جماعة . قال ابن الجوزي : وكان يعظ ، وله بلاغة ، وفيه كرم ، وكان ثقة يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، [ ص: 657 ] ومن شعره :


دخلت على السلطان في دار عزه     بفقر ولم أجلب بخيل ولا رجل
وقلت انظروا ما بين فقري وملككم     بمقدار ما بين الولاية والعزل

توفي في صفر ، وقد قارب الثمانين ، ودفن بمقبرة باب حرب إلى جانب ابن السماك

التالي السابق


الخدمات العلمية