صفحة جزء
[ ص: 681 ] ثم دخلت سنة ثنتين وثلاثين وأربعمائة

فيها عظم شأن السلجوقية ، وارتفع شأن ملكهم طغرلبك محمد وأخيه جغريبك داود ، وهما ابنا ميكائيل بن سلجوق بن دقاق ، وقد كان جدهم دقاق هذا من مشايخ الترك القدماء الذين لهم الرأي والمكيدة والمكانة عند ملكهم الأعظم ، ونشأ ولده سلجوق نجيبا شهما ، فقدمه الملك ولقبه سباشى ، فأطاعته الجيوش ، وانقادت له الناس بحيث تخوف منه الملك ، وأراد قتله ، فهرب منه إلى بلاد المسلمين ، فأسلم فازداد عزا وعلوا ، ثم توفي عن مائة وسبع سنين ، وخلف أرسلان وميكائيل وموسى ، فأما ميكائيل فإنه اعتنى بقتال الكفار من الأتراك ، حتى قتل شهيدا ، وخلف ولديه طغرلبك محمدا ، وجغريبك داود ، فعظم شأنهما في بني عمهما ، واجتمع عليهما الترك من المؤمنين ، وهم ترك الإيمان الذين يقال لهم اليوم : تركمان . وهم السلاجقة بنو سلجوق جدهم هذا ، ففتحوا بلاد خراسان بكمالها بعد موت محمود بن [ ص: 682 ] سبكتكين ، فقد كان يتخوف منهم الملك محمود بعض التخوف ، فلما توفي وقام ولده مسعود من بعده قاتلهم وقاتلوه مرارا ، فيهزمونه في أكثر المواقف ، واستكمل لهم ملك خراسان بأسرها ، ثم قصدهم مسعود في جنود يضيق بهم الفضاء فكسروه فيها ، وكبسه مرة داود ، فانهزم منه مسعود ، فاستحوذ على حواصله وخيامه ، وجلس على سريره ، وفرق الغنائم ، ومكث جيشه على خيولهم ثلاثة أيام ، لا ينزلون عنها ; خوفا من دهمة العدو ، وبمثل هذا الاحتراس تم لهم ما راموه ، وكمل جميع ما أملوه ، ثم كان من سعادتهم أن الملك مسعودا توجه نحو بلاد الهند ليشتي بها ، وترك مع ولده مودود جيشا كثيفا بسبب قتال السلاجقة ، فلما عبر الجسر الذي على سيحون نهبت جنوده حواصله ، واجتمعوا على أخيه محمد ، وخلعوا مسعودا ، فرجع إليهم مسعود ، فقاتلهم ، فهزموه وأسروه ، فقال له أخوه : والله لأقاتلنك على سوء صنيعك إلي ، ولكن اختر لنفسك أي بلد تكون فيه أنت وعيالك . فاختار قلعة كبرى فكان بها ، ثم إن الملك محمدا جعل لولده أحمد الأمر من بعده ، وبايع الجيش له ، وقد كان في أحمد هوج وقلة عقل ، فاتفق هو وعمهم يوسف بن سبكتكين على قتل مسعود ليصفو لهم الأمر ، ويتم لهم الملك ، فسار إليه أحمد من غير علم من أبيه فقتله ، فلما علم أبوه غاظه ذلك وعتب على ابنه عتبا شديدا ، وبعث إلى ابن أخيه يعتذر إليه ، ويقسم أنه لم يعلم بذلك حتى كان . فكتب إليه مودود بن مسعود يقول : رزق الله ولدك المعتوه عقلا يعيش به ، فقد ارتكب أمرا عظيما ، وأقدم على إراقة دم ملك مثل والدي ، لقبه أمير المؤمنين بسيد الملوك والسلاطين ، وستعلمون أي حتف تورطتم وأي شر تأبطتم : وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون [ ص: 683 ] [ الشعراء : 227 ] . ثم سار إليهم في جنود عظيمة ، فقاتلهم ، فقهرهم وأسرهم ، فقتل عمه محمدا وابنه أحمد وبني عمه كلهم ، إلا عبد الرحيم وخلقا من رءوس أمرائهم ، وابتنى قرية هنالك وسماها فتحا بادا ، ثم سار إلى غزنة فدخلها في شعبان ، فأظهر العدل وسلك سيرة جده محمود ، فأطاعه الناس ، وكتب إليه أصحاب الأطراف بالانقياد والاتباع ، غير أنه أهلك قومه بيده ، وكان هذا من جملة سعادة السلاجقة .

وفيها خالف أولاد حماد على المعز بن باديس صاحب إفريقية ، فسار إليهم فحاصرهم قريبا من سنتين ، ووقع بإفريقية في هذه السنة غلاء شديد بسبب تأخر الأمطار عنهم .

ووقع ببغداد فتنة عظيمة بين الروافض والسنة من أهل الكرخ وأهل باب البصرة فقتل خلق كثير من الفريقين . ولم يحج في هذه السنة أحد من أهل العراق وضواحيها .

التالي السابق


الخدمات العلمية