صفحة جزء
[ ص: 14 ] ثم دخلت سنة ستين وأربعمائة من الهجرة النبوية

قال ابن الجوزي : في جمادى الأولى كانت زلزلة بأرض فلسطين أهلكت بلد الرملة ورمت شرافتين من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولحقت وادي الصفراء وخيبر وانشقت الأرض عن كنوز من المال ، وبلغ حسها إلى الرحبة والكوفة وجاء كتاب بعض التجار في هذه الزلزلة يقول : إنها خسفت الرملة جميعا حتى لم يسلم منها إلا داران فقط ، وهلك منها خمس عشرة ألف نسمة وانشقت الصخرة التي ببيت المقدس ، ثم عادت فالتأمت بقدرة الله تعالى ، وغار البحر مسيرة يوم وساخ في الأرض وظهر في مكان الماء أشياء من جواهر وغيرها ودخل الناس في أرضه يلتقطون فرجع عليهم فأهلك خلقا كثيرا منهم .

وفي يوم السبت النصف من جمادى الآخرة قرئ الاعتقاد القادري الذي فيه مذهب أهل السنة والجماعة ، والإنكار على أهل البدع ، وقرأ أبو مسلم الليثي البخاري المحدث كتاب التوحيد لابن خزيمة على الجماعة الحاضرين . وذكر [ ص: 15 ] بمحضر من الوزير ابن جهير وجماعة الأعيان من الفقهاء وأهل الكلام ، واعترفوا بالموافقة ثم قرئ " الاعتقاد القادري " على الشريف أبي جعفر ابن المهتدي بالله بباب البصرة وذلك لسماعه له من الخليفة القادر بالله مصنفه .

وفيها عزل الخليفة وزيره أبا نصر محمد بن محمد بن جهير الملقب فخر الدولة وبعث إليه يعاتبه في أشياء كثيرة فاعتذر منها ، وأخذ في الترفق والتذلل فأجيب بأن يرحل إلى أي جهة شاء ، فاختار حلة ابن مزيد ، فباع أصحابه أموالهم وأملاكهم وطلقوا نساءهم ، وأخذ أولاده وأهله ، وجاء ليركب في سميرية لينحدر منها إلى الحلة والناس حوله يتباكون لبكائه ، فلما اجتاز بدار الخلافة قبل الأرض دفعات والخليفة في الشباك والوزير يقول : يا أمير المؤمنين ارحم شيبتي وغربتي وأولادي . فأعيد إلى الوزارة بشفاعة دبيس بن مزيد في السنة الآتية ، وامتدحه الشعراء ، وفرح الناس برجوعه إلى الوزارة ، وكان يوما مشهودا .

التالي السابق


الخدمات العلمية