صفحة جزء
[ ص: 102 ] ثم دخلت سنة تسع وسبعين وأربعمائة

وفيها كانت الوقعة بين تتش صاحب دمشق وبين سليمان بن قتلمش صاحب حلب وأنطاكية وتلك الناحية ، فانهزم أصحاب سليمان وقتل هو نفسه بخنجر كانت معه فسار السلطان ملكشاه من أصبهان إلى حلب فملكها ، وملك ما بين ذلك من البلاد التي مر بها وهي حران والرها وقلعة جعبر ، وكان جعبر شيخا كبيرا قد عمي وله ولدان ، وكان قطاع الطريق يلجئون إليها فيتحصنون بها فراسل السلطان جعبر بن سابق في تسليمها فامتنع عليه ، فنصب عليها المجانيق والعرادات ففتحها وأمر بقتل صاحبها سابق ، فقالت زوجته لا تقتله حتى تقتلني معه فألقاه من ورائها فتكسر ، ثم أمر بتوسيطه بعد ذلك فألقت المرأة نفسها وراءه فسلمت ، فلامها بعض الناس في ذلك فقالت : كرهت أن يصل إلي التركي فيبقى ذلك عارا علي . فاستحسن منها ذلك واستناب السلطان على حلب قسيم الدولة آق سنقر التركي وهو جد نور الدين الشهيد واستناب على الرحبة وحران [ ص: 103 ] والرقة وسروج والخابور محمد بن شرف الدولة مسلم ، وزوجه بأخته زليخا خاتون .

وعزل فخر الدولة بن جهير عن ديار بكر وسلمها إلى العميد أبي علي البلخي ، وخلع على سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس الأسدي وأقره على عمل أبيه . ودخل بغداد في ذي القعدة من هذه السنة وهي أول دخلة دخلها ، فزار المشاهد والقبور ودخل على الخليفة فقبل يده ووضعها على عينيه ، وخلع عليه الخليفة خلعة سنية ، وفوض إليه أمور الناس ، واستعرض الخليفة أمراءه ، ونظام الملك واقف بين يدي الخليفة ، يعرفه بالأمراء واحدا واحدا باسمه ، وكم جيشه وأقطاعه ، ثم أفاض عليه الخليفة خلعة سنية ، وخرج من بين يديه فنزل بمدرسته النظامية ، ولم يكن رآها قبل هذه السنة ، فاستحسنها إلا أنه استصغرها واستحسن أهلها ومن بها من الجماعة ، رحمه الله على ذلك ، وسأل الله أن يجعل ذلك خالصا لوجهه الكريم ونزل بخزانة كتبها وأملى جزءا من مسموعاته فسمعه المحدثون منه .

وورد الشيخ أبو القاسم علي بن أبي يعلى الحسيني الدبوسي إلى بغداد في تجمل عظيم ، فرتبه مدرسا بالنظامية بعد أبي سعد المتولي .

وفي ربيع الآخر فرغت المنارة بجامع القصر وأذن فيها ، وفيها كانت زلازل هائلة بالعراق والجزيرة والشام ، فهدمت شيئا كثيرا من العمران ، وخرج أكثر الناس إلى الصحراء ثم عادوا .

[ ص: 104 ] وحج بالناس الأمير خمارتكين الحسناني ، وقطعت خطبة المصريين من مكة والمدينة وقلعت الصفائح التي على باب الكعبة التي عليها ذكر المصري وجدد غيرها عليها اسم المقتدي .

قال ابن الجوزي : وظهر رجل بين السندية وواسط يقطع الطريق وهو مقطوع اليد اليسرى يفتح القفل في أسرع مدة ويغوص دجلة في غوصتين ويقفز القفزة خمسة وعشرين ذراعا ويتسلق الحيطان الملس ولا يقدر عليه أحد وخرج من العراق سالما . قال وفيها توفي فقير يسأل الناس في جامع المنصور فوجد في مرقعته ستمائة دينار مغربية . قال وفيها عمل سيف الدولة صدقة سماطا للسلطان جلال الدولة أبي الفتح ملكشاه اشتمل على ألف رأس من الغنم ومائة من الجمال ، وغيرها ، ودخله عشرون ألفا منا من السكر ، وقد علق عليه من أصناف الطيور والوحوش المنفوخة من السكر شيء كثير فتناول السلطان منه شيئا يسيرا ، ثم أشار فانتهب عن آخره ، ثم انتقل من ذلك المكان إلى سرادق عظيم لم ير مثله من الحرير ، وفيه خمسمائة قطعة من الفضة وألوان من تماثيل الند والمسك والعنبر وغير ذلك فمد فيه سماطا خاصا فأكل السلطان حينئذ وحمل إليه عشرين ألف دينار وقدم له ذلك السرادق بكماله ، وانصرف .

[ ص: 105 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية