صفحة جزء
وممن توفي من توفي فيها من الأعيان :

جعفر بن يحيي بن عبد الله بن عبد الرحمن ، أبو الفضل التميمي المعروف بابن الحكاك المكي ، رحل في طلب الحديث إلى الشام والعراق وأصبهان وغير ذلك من البلاد ، وسمع الكثير ، وخرج الأجزاء ، وكان حافظا متقنا وضابطا أديبا صدوقا خيرا ، وكان يتراسل عن صاحب مكة وكان من ذوي الهيئات والمروءات قارب الثمانين رحمه الله .

نظام الملك الوزير

هو الحسن بن علي بن إسحاق بن العباس ، أبو علي الوزير نظام الملك وزر للملك ألب أرسلان وولده ملكشاه تسعا وعشرين سنة ، كان من خيار الوزراء ولد بطوس في سنة ثمان وأربعمائة ، وكان أبوه ممن يخدم أصحاب محمود بن سبكتكين ، وكان من الدهاقين فأشغل ولده هذا بقراءة القرآن وله إحدى عشرة سنة ، وأشغله بعلم القراءات والتفقه على مذهب الشافعي وسماع الحديث واللغة والنحو ، وكان عالي الهمة ، فحصل من ذلك طرفا صالحا ثم ترقى في المراتب حتى وزر للسلطان ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق ثم من بعده لولده ملكشاه لم ينكب في شيء منها .

[ ص: 126 ] وبنى المدارس النظاميات ببغداد ونيسابور وغيرهما ، وكان مجلسه عامرا بالفقهاء والعلماء بحيث يقضي معهم عامة أوقاته ، فقيل له : إن هؤلاء شغلوك عن كثير من المصالح ، فقال : هؤلاء جمال الدنيا والآخرة ، ولو أجلستهم على رأسي ما استكثرت ذلك ، وكان إذا دخل عليه أبو القاسم القشيري وأبو المعالي الجويني قام لهما وأجلسهما في المسند ، فإذا دخل أبو علي الفارمذي قام وأجلسه مكانه وجلس بين يديه ، فعوتب في ذلك ، فقال : إنهما إذا دخلا علي قالا : أنت وأنت فأزداد تيها ، وأما الفارمذي يذكر لي عيوبي وظلمي ، فأنكسر وأرجع عن كثير من الذي أنا فيه .

وكان محافظا على الصلوات في أوقاتها لا يشغله بعد الأذان شغل عنها ، وكان يواظب على صيام الاثنين والخميس وله الأوقاف الدارة والصدقات البارة .

وكان يعظم الصوفية تعظيما زائدا فعوتب في ذلك فقال إني كنت أخدم بعض الأمراء فجاءني يوما إنسان فقال لي : اخدم من تنفعك خدمته ولا تخدم من تأكله الكلاب غدا ، فلم أفهم ما يقول فاتفق أن ذلك الأمير سكر تلك الليلة فخرج في أثناء الليل وهو ثمل ، وكانت له كلاب تفترس الغرباء بالليل فلم تعرفه ومزقته فأصبح وقد أكلته الكلاب قال : فأنا أطلب مثل ذلك الشيخ .

[ ص: 127 ] وقد أسمع الحديث في أماكن شتى ببغداد وغيرها وكان يقول : إني لأعلم بأني لست أهلا للرواية ولكني أحب أن أربط في قطار نقلة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال أيضا : رأيت في المنام إبليس فقلت له ويحك خلقك الله وأمرك بالسجود له مشافهة فأبيت وأنا لم يأمرني بالسجود له مشافهة وأنا أسجد له في كل يوم مرات فأنشأ يقول :


من لم يكن للوصال أهلا فكل إحسانه ذنوب

وقد أجلسه المقتدي مرة بين يديه وقال له : يا حسن رضي الله عنك برضا أمير المؤمنين عنك . وقد ملك ألوفا من الترك .

وكان له بنون كثيرة ، وزر منهم خمسة وزر ابنه أحمد للسلطان محمد بن ملكشاه ولأمير المؤمنين المسترشد بالله

خرج نظام الملك مع السلطان من أصبهان قاصدا بغداد في مستهل رمضان من هذه السنة ، فلما كان اليوم العاشر اجتاز في بعض طريقه بقرية بالقرب من نهاوند وهو يسايره في محفة فقال : قد قتل هاهنا خلق من الصحابة زمن عمر فطوبى لمن يكون عندهم ، فاتفق أنه لما أفطر جاءه صبي في هيئة مستغيث به ومعه قصة ، فلما انتهى إليه ضربه بسكين في فؤاده ، وهرب فعثر بطنب الخيمة ، فأخذ فقتل ، ومكث الوزير ساعة وجاءه السلطان يعوده فمات [ ص: 128 ] وهو عنده ، وقد اتهم السلطان في أمره أنه هو الذي مالأ عليه فلم تطل مدته بعده سوى خمسة وثلاثين يوما وكان في ذلك عبرة لأولي الألباب .

ولما بلغ أهل بغداد موت النظام حزنوا عليه وجلس الوزير والرؤساء للعزاء ثلاثة أيام ، ورثاه الشعراء منهم مقاتل بن عطية فقال


كان الوزير نظام الملك لؤلؤة     يتيمة صاغها الرحمن من شرف
عزت فلم تعرف الأيام قيمتها     فردها غيرة منه إلى الصدف

وأثنى عليه ابن عقيل وابن الجوزي وغيرهما رحمه الله .

عبد الباقي بن محمد بن الحسين بن داود بن ناقيا

أبو القاسم الشاعر من أهل الحريم الطاهري
ولد سنة عشر وأربعمائة وسمع الحديث وكان ماهرا وقد رماه بعضهم برأي الأوائل وأنه قال : في السماء نهر من ماء ونهر من لبن ونهر من خمر ونهر من عسل وما يسقط من ذلك قطرة إلى الأرض إلا هذا الذي هو يخرب البيوت ويهدم السقوف وهذا الكلام كفر من قائله لعنه الله نقله عنه ابن الجوزي في " المنتظم " .

[ ص: 129 ] وحكي عن بعضهم أنه وجد في كفه مكتوبا حين مات هذين البيتين :


نزلت بجار لا يخيب ضيفه     أرجي نجاتي من عذاب جهنم
وإني على خوفي من الله واثق     بإنعامه والله أكرم منعم

مالك بن أحمد بن علي بن إبراهيم

أبو عبد الله البانياسي الشامي
وقد كان له اسم آخر سمته به أمه : علي أبو الحسن فغلب عليه ما سماه به أبوه ، وما كناه به سمع الحديث على مشايخ كثيرة وهو آخر من حدث عن أبي الحسن بن الصلت هلك في حريق سوق الريحانيين وله ثمان وثمانون سنة وكان ثقة عند المحدثين .

السلطان ملكشاه

السلطان الكبير جلال الدولة ، أبو الفتح ملكشاه بن أبي شجاع ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق بن تقاق التركي ملك بغداد كما ذكرنا ، وامتدت مملكته من أقصى بلاد الترك إلى أقصى بلاد اليمن وراسله [ ص: 130 ] الملوك من سائر الأقاليم والأقطار حتى ملك الروم والخزر والان وكانت دولته صارمة والطرقات في أيامه آمنة ، و مع عظمته يقف للمسكين والمرأة والضعيف ، فيقضي حوائجهم .

وقد عمر العمارات الهائلة ، وبنى القناطر وأسقط المكوس والضرائب وحفر الأنهار الكبار الخراب ، وبنى مدرسة أبي حنيفة والسوق وبنى الجامع الذي يقال له جامع السلطان ببغداد ، وبنى منارة القرون من صيوده بالكوفة ، ومثلها فيما وراء النهر وضبط ما صاده بنفسه في صيوده فكان ذلك نحوا من عشرة آلاف صيد فتصدق بعشرة آلاف درهم وقال : إني خائف من الله تعالى أن أكون أزهقت نفس حيوان لغير مأكلة .

وقد كانت له أفعال حسنة وسيرة صالحة ; من ذلك أن فلاحا أنهى إليه أن غلمانا له أخذوا له حمل بطيخ ، هو رأس ماله . فقال اليوم أرد عليك حملك . ثم قال لقيمه : أريد أن تأتوني اليوم ببطيخ . ففتشوا فإذا في خيمة الحاجب بطيخ فحملوه إليه ، فاستدعى الحاجب فقال : من أين لك هذا البطيخ؟ قال : جاء به الغلمان فقال أحضرهم فذهب فهربهم ، فأرسل إليه فأحضره وسلمه إلى الفلاح ، وقال خذ بيده فإنه مملوكي ومملوك أبي ، وإياك أن تفارقه ، فرد عليه حمله فخرج الفلاح يحمله وفي يده الحاجب فاستفدى نفسه منه [ ص: 131 ] بثلاثمائة دينار .

ولما توجه لقتال أخيه تكش اجتاز بطوس فدخل لزيارة قبر علي بن موسى الرضا ومعه نظام الملك ، فلما خرجا قال للنظام : بم دعوت؟ قال دعوت الله أن يظفرك على أخيك فقال لكني قلت اللهم إن كان أخي أصلح للمسلمين فظفره بي ، وإن كنت أصلح لهم فظفرني به .

وقد سار ملكشاه هذا بعسكره من أصبهان إلى أنطاكية فما عرف أن أحدا من جيشه ظلم أحدا من رعيته .

واستعدى إليه تركماني أن رجلا افتض بكارة ابنته وهو يريد أن يمكنه من قتله ، فقال له : يا هذا إن ابنتك لو شاءت ما مكنته من نفسها فإن كنت لابد فاعلا فاقتلها معه فسكت الرجل فقال له الملك : أو خير من ذلك؟ قال : وما هو؟ قال : فإن بكارتها قد ذهبت فزوجها من ذلك الرجل وأنا أمهرها من بيت المال كفايتها ففعل .

وحكى له بعض الوعاظ أن كسرى اجتاز يوما في بعض أسفاره بقرية منفردا من جيشه ، فوقف على باب دار فاستسقى فأخرجت إليه جارية إناء فيه ماء قصب السكر بالثلج فشرب منه فأعجبه فقال : كيف تصنعون هذا؟ فقالت إنه سهل علينا اعتصاره على أيدينا فطلب منها شربة أخرى فذهبت لتأتيه بها فوقع في نفسه أن يأخذ هذا المكان منهم ويعوضهم عنه ، فأبطأت عليه [ ص: 132 ] ثم خرجت وليس معها شيء ، فقال : ما لك؟ فقالت كأن نية سلطاننا تغيرت علينا فتعسر علي اعتصاره - وهي لا تعرف أنه السلطان - فقال : اذهبي فإنك الآن تقدرين عليه وغير نيته إلى غيرها فذهبت وجاءته بشربة أخرى سريعا فشربها وانصرف ، فقال له السلطان ملكشاه : هذه تصلح لي ولكن قص على الرعية حكاية كسرى الأخرى حين اجتاز ببستان فطلب من ناطوره عنقودا من حصرم فإنه قد أصابته صفراء وعطش فقال له الناطور : إن السلطان لم يأخذ حقه منه ، فلا أقدر أن أعطيك منه شيئا ، قال : فعجب الناس من ذكاء الملك وحسن استحضاره هذه في مقابلة تلك .

واستعداه رجلان من الفلاحين على الأمير خمارتكين أنه أخذ منهما مالا جزيلا وكسر ثنيتهما ، وقالا : سمعنا بعدلك في العالم ، فإن أقدتنا منه كما أمرك الله وإلا استعدينا عليك الله يوم القيامة وأخذا بركابه فنزل عن فرسه وقال لهما خذا بكمي فاسحباني إلى دار نظام الملك ، فهابا ذلك ، فعزم عليهما ففعلا ما أمرهما به ، فلما بلغ النظام مجيء السلطان إليه خرج مسرعا من خيمته ، فقال له الملك : إني إنما قلدتك الأمر لتنصف المظلوم ممن ظلمه ، فكتب من فوره بعزل خمارتكين وحل أقطاعه وأن يرد إليهما أموالهما وأن يقلعا ثنيتيه إن قامت عليه البينة وأمر لهما الملك من عنده بمائة دينار .

وأسقط مرة بعض المكوس فقال له رجل من المستوفين : يا سلطان العالم إن هذا يعدل ستمائة ألف دينار وأكثر فقال : ويحك إن المال مال الله والعباد عبيده ، والبلاد بلاده وإنما يبقى هذا لي ، ومن نازعني في هذا ضربت عنقه .

[ ص: 133 ] وغنته امرأة حسناء فطرب وتاقت نفسه إليها فهم بها ، فقالت : أيها الملك إني أغار على هذا الوجه الجميل من النار وبين الحلال والحرام كلمة واحدة فاستدعى بالقاضي فزوجه بها .

وقد ذكر ابن الجوزي عن ابن عقيل أن السلطان ملكشاه كان قد فسدت عقيدته بسبب معاشرته بعض الباطنية ثم تنصل من ذلك وراجع الحق .

وذكر أن ابن عقيل كتب له شيئا في الدليل على إثبات الصانع . وقد ذكرنا أنه لما رجع آخر مرة إلى بغداد عزم على الخليفة أن يخرج منها فاستنظره عشرة أيام فمرض السلطان ومات قبل انقضاء العشرة أيام .

وكانت وفاته في ليلة الجمعة النصف من شوال عن سبع وثلاثين سنة وخمسة أشهر وكانت مدة ملكه من ذلك تسع عشرة سنة وأشهرا ودفن بالشونيزية ، ولم يصل عليه أحد لشدة كتمان الأمر ، وكان مرضه بالحمى وقيل : إنه سم والله أعلم .

باني التاجية ببغداد

المرزبان بن خسرو تاج الملك الوزير أبو الغنائم باني التاجية التي درس فيها أبو بكر الشاشي وبنى تربة الشيخ أبي إسحاق وقد كان السلطان ملكشاه أراد أن يستوزره بعد نظام الملك فمات سريعا فاستوزر لولده محمود فلما قهره [ ص: 134 ] أخوه بركياروق قتله غلمان النظام وقطعوه إربا إربا في ذي الحجة من هذه السنة .

هبة الله بن عبد الوارث بن علي بن أحمد بن بوري

أبو القاسم الشيرازي
أحد الرحالين الجوالين في الآفاق ، وكان حافظا ثقة دينا ورعا حسن الاعتقاد والسيرة له تاريخ حسن ورحل إليه الطلبة من بغداد وغيرها . رحمه الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية