صفحة جزء
[ ص: 399 ] ثم دخلت سنة ست وخمسين وخمسمائة

فيها قتل السلطان سليمان شاه بن محمد بن ملكشاه وكان عنده تهور وقلة مبالاة بالدين ، يدمن شرب الخمر حتى في رمضان ، فثار عليه مدبر مملكته كردبازو الخادم فقتله ، وبايع بعده السلطان أرسلان شاه بن طغرل بن محمد بن ملكشاه .

وفيها قتل الملك الصالح فارس الدين أبو الغارات طلائع بن رزيك الأرمني ، وزير العاضد صاحب مصر ، ووالد زوجته ، وكان قد حجر على العاضد لصغره واستحوذ على الأمور ، فقتلته الحاشية ، ووزر بعده ولدهرزيك ، ولقب بالعادل ، وقد كان أبوه الصالح كريما أديبا ، يحب أهل العلم ويحسن إليهم ، كان من خيار الملوك والوزراء ، وقد امتدحه غير واحد من الشعراء .

قال ابن خلكان : كان أولا متوليا بمنية بني خصيب ، ثم آل به الحال إلى أن وزر للفائز ، وذهبت له وزارة عباس في سنة تسع وأربعين ، ثم لما هلك في هذه السنة قام في الوزارة بعده ولده العادل رزيك بن طلائع فلم يزل [ ص: 400 ] فيها حتى انتزعها شاور ، كما سيأتي . قال : والصالح هذا هو باني الجامع عند باب زويلة ظاهر القاهرة . قال : ومن العجائب أنه ولي الوزارة في تاسع عشر شهر ، وقتل من تاسع عشر شهر ، ونقل من دار الوزارة إلى القرافة في تاسع عشر شهر آخر ، وزالت دولتهم في تاسع عشر شهر آخر . قال : ومن شعره ما رواه عنه الواعظ زين الدين علي بن نجا الحنبلي ، وهو قوله


مشيبك قد نضا صبغ الشباب وحل الباز في وكر الغراب     تنام ومقلة الحدثان يقظى
وما ناب النوائب عنك ناب     وكيف بقاء عمرك وهو كنز
وقد أنفقت منه بلا حساب

وقوله :


كم ذا يرينا الدهر من أحداثه     عبرا وفينا الصد والإعراض
ننسى الممات وليس يجري ذكره     فينا فتذكرنا به الأمراض

ومن شعره الجيد أيضا قوله :


أبى الله إلا أن يدوم لنا الدهر     ويخدمنا في ملكنا العز والنصر
علمنا بأن المال تفنى ألوفه     ويبقى لنا من بعده الأجر والذكر
خلطنا الندى بالبأس حتى كأننا     سحاب لديه البرق والرعد والقطر

وله أيضا ، وهو مما نظمه قبل موته بثلاث ليال :

[ ص: 401 ]

نحن في غفلة ونوم وللمو     ت عيون يقظانة لا تنام
قد رحلنا إلى الحمام سنينا     ليت شعري متى يكون الحمام

ثم قتله غلمان العاضد في النهار غيلة وله إحدى وستون سنة ، وخلع على ولده العادل بالوزارة ، ورثاه عمارة اليمني بقصائد حسان ، ويوم نقل إلى تربته بالقرافة سار العاضد معه حتى وصل إلى قبره في التابوت .

قال القاضي ابن خلكان : فعمل الفقيه عمارة في ذلك قصيدة طويلة أجاد فيها ، فمن ذلك في صفة التابوت قوله :


وكأنه تابوت موسى أودعت     في جانبيه سكينة ووقار

وفيها أوقعت بنو خفاجة بأهل الكوفة وقعة عظيمة ، فقتلوا خلقا ، منهم الأمير قيصر وجرحوا أمير الحاج أرغش جراحات ، فنهض إليهم وزير الخلافة عون الدين بن هبيرة في جيش ، فتبعهم حتى أوغل في البرية ، فبعثوا يطلبون العفو .

وفيها ولي مكة الشريف عيسى بن قاسم بن أبي هاشم ، وقيل : قاسم بن فليتة بن قاسم بن أبي هاشم .

وفيها أمر الخليفة المستنجد بإزالة الدكاكين التي تضيق الطرقات ، وأن لا يجلس أحد من الباعة في عرصة الطرقات ; لئلا يضر ذلك بالمارة . وفيها وقع رخص عظيم ببغداد جدا .

وفيها فتحت المدرسة التي بناها ابن الشمحل في المأمونية ، ودرس فيها أبو [ ص: 402 ] حكيم إبراهيم بن دينار النهرواني الحنبلي ، وقد توفي من آخر هذه السنة ، ودرس بعده فيها أبو الفرج بن الجوزي ، وقد كان عنده معيدا ، ونزل له عن تدريس آخر بباب الأزج عند موته .

التالي السابق


الخدمات العلمية