صفحة جزء
خلافة المستضيء

وهو أبو محمد الحسن بن يوسف المستنجد بن المقتفي ، وأمه أرمنية تدعى غضة ، وكان مولده في شعبان سنة ست وثلاثين وخمسمائة ، بويع بالخلافة يوم مات أبوه بكرة الأحد تاسع ربيع الآخر ، وبايعه الناس ، ولم يل الخلافة أحد اسمه الحسن بعد الحسن بن علي غير هذا ، ووافقه في الكنية أيضا ، وخلع يومئذ على الناس أكثر من ألف خلعة ، وكان يوما مشهودا ، وولى قضاء قضاة بغداد لروح بن الحديثي يوم الجمعة رابع عشر ربيع الآخر ، وخلع على الوزير خلعة عظيمة وهو الأستاذ عضد الدين ، وضربت على بابه نوبة في ثلاثة أوقات ; الفجر والمغرب والعشاء وأمر سبعة عشر أميرا من المماليك ، وأذن للوعاظ [ ص: 446 ] فتكلموا بعدما منعوا مدة طويلة ، ثم كثر احتجاجه ، ومما نظمه العماد الكاتب حين جاءت البشارة بخلافة المستضيء وهم بأرض الموصل


قد أضاء الزمان بالمستضي وارث البرد وابن عم النبي     جاء بالحق والشريعة والعد
ل فيا مرحبا بهذا المجي     فهنيئا لأهل بغداد فازوا
بعد بؤس بكل عيش هني     ومضي إن كان في الزمن المظ
لم فالعود في الزمان المضي

وفيها سار الملك نور الدين محمود بن زنكي إلى الرقة فأخذها ، وكذا نصيبين والخابور وسنجار ، وسلمها إلى زوج ابنته ابن أخيه عماد الدين زنكي بن مودود ثم سار إلى الموصل فأقام بها أربعة وعشرين يوما ، وأقرها على ابن أخيه سيف الدين غازي بن قطب الدين مودود مع الجزيرة ، وزوجه ابنته الأخرى وأمر بعمارة جامعها وتوسعته ، ووقف على تأسيسه بنفسه وجعل له خطيبا ودرسا للفقه وولى التدريس للفيقه أبي بكر النوقاني تلميذ محمد بن يحيى ، تلميذ الغزالي ، وكتب له منشورا بذلك ، ووقف على الجامع قرية من قرى الموصل ; وذلك كله بإشارة الشيخ صالح العابد عمر الملاء ، وقد كانت له زاوية يقصد فيها وله في كل سنة دعوة في شهر المولد ; يحضر عنده الملوك والأمراء والعلماء والوزراء ، ويحتفل بذلك ، وقد كان الملك نور الدين . صاحبه ، وكان يستشيره في أموره ، وممن يعتمده في المهمات ، وهو الذي أشار عليه في مدة [ ص: 447 ] مقامه في الموصل بجميع ما فعله من الخيرات ; فلهذا حصل بقدومه لأهل الموصل كل مسرة واندفعت عنهم المصائب ، وأسقط عنهم المكوس والضرائب ، وأخرج من بين أظهرهم الظالم الغاشم عبد المسيح ، وسماه عبد الله وأخذه معه إلى دمشق فأقطعه إقطاعا حسنا ، فجزاه الله خيرا .

وقد كان عبد المسيح هذا نصرانيا فأظهر الإسلام ، وكان يقال : إن له كنيسة في جوف داره وكان سيئ السيرة ، في حق العلماء وخاصة المسلمين ، ولما دخل نور الدين الموصل كان الذي استأمن له الشيخ عمر الملاء ، وحين دخل نور الدين الموصل خرج إليه ابن أخيه ، فوقف بين يديه فأكرمه وأحسن إليه وألبسه خلعة جاءته من الخليفة ، فدخل بها إلى البلد في أبهة عظيمة ولم يدخل نور الدين الموصل حتى قوي الشتاء ، فأقام بها كما ذكرنا أربعة وعشرين يوما ، فلما كان آخر ليلة أقام بها رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام يقول له : طابت لك بلدك وتركت الجهاد وقتال أعداء الله ، فنهض من فوره إلى السفر وما أصبح إلا وهو سائر إلى الشام واستقضى الشيخ شرف الدين بن أبي عصرون وكان معه على سنجار ونصيبين والخابور ، فاستناب فيها ابن أبي عصرون نوابا وأصحابا

وفيها عزل صلاح الدين قضاة مصر ; لأنهم كانوا شيعة وولى قضاء القضاة بها لصدر الدين عبد الملك بن درباس الماراني الشافعي ، واستناب [ ص: 448 ] في سائر المعاملات قضاة شافعية وبنى مدرسة للشافعية وأخرى للمالكية ، واشترى ابن أخيه تقي الدين عمر بن شاهنشاه دارا كانت تعرف بمنازل العز ، وجعلها مدرسة للشافعية ، ووقف عليها الروضة وغيرها ، وعمر صلاح الدين أسوار البلد ، وكذلك أسوار إسكندرية ، وأحسن إلى الرعايا إحسانا كثيرا ، وركب فأغار على بلاد الفرنج بنواحي عسقلان وغزة وخرب قلعة كانت لهم على أيلة ، وقتل خلقا كثيرا من مقاتلتهم ، وتلقى أهله وهم واردون من الشام ، واجتمع شمله بهم بعد فرقة طويلة ، وفيها قطع صلاح الدين الأذان بحي على خير العمل من ديار مصر كلها ، وشرع في تمهيد الخطبة لبني العباس على المنابر .

التالي السابق


الخدمات العلمية