صفحة جزء
وممن توفي فيها من الأعيان :

أسعد بن بلدرك أبو أحمد الجبريلي

سمع الحديث ، وكان شيخا ظريفا ، حسن المذاكرة ، جيد النادرة ، سريع المبادرة ، توفي في هذه السنة عن مائة سنة وأربع سنين ، رحمه الله تعالى .

محمد بن نسيم بن عبد الله ، أبو عبد الله الخياط ، عتيق الرئيس أبي الفضل بن عيشون ، سمع الحديث وقارب الثمانين ، سقط من درجة فمات .

[ ص: 532 ] قال : أنشدني مولى والدي ، يعني ابن أعلى الحكيم أبا الفضل بن عيشون :


القارئ التشريح أجدر بالتقى من راهب في ديره متقوس     ومراقب الأفلاك كانت نفسه
بعبادة الرحمن أحرى الأنفس     والماسح الأرضين وهي فسيحة
أولى بمسح في أكف اللمس     أولى بخشية ربه من جاهل
بمثلث ومربع ومخمس

الحيص بيص

سعد بن محمد بن سعد ، شهاب الدين أبو الفوارس الصيفي ،
الشاعر ، له ديوان شعر مشهور ، وكانت وفاته يوم الثلاثاء خامس شعبان من هذه السنة ، وله اثنتان وثمانون سنة ، وصلي عليه بالنظامية ، ودفن بباب التبن ، ولم يعقب ، ولم يكن له في المراسلات بديل ، كان يتقعر فيها ويتفاصح جدا ، فلا تواتيه إلا وهي معجرفة ، وكان يزعم أنه من بني تميم ، فسئل أبوه عن ذلك فقال : ما سمعته إلا منه . فقال بعض الشعراء يهجوه فيما ادعاه من ذلك :


كم تبادى وكم تطول طرطو     رك ما فيك شعرة من تميم
فكل الضب وابلع الحنظل اليا     بس واشرب إن شئت بول الظليم
ليس ذا وجه من يضيف ولا يق     ري ولا يدفع الأذى عن حريم

[ ص: 533 ] ومن شعر الحيص بيص الجيد :


سلامة المرء ساعة عجب     وكل شيء لحتفه سبب
يفر والحادثات تطلبه     يفر منها ونحوها الهرب
فكيف يبقى على تقلبه     مسلما من حياته العطب

ومن شعره أيضا :


لا تلبس الدهر على غرة     فما لموت الحي من بد
ولا يخادعك طويل البقا     فتحسب الطول من الخلد
يقرب ما كان له آخر     ما أقرب المهد من اللحد

ويقرب من هذا ما ذكره صاحب " العقد " ، وهو أبو عمر ، أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي في " عقده " :


ألا إنما الدنيا غضارة أيكة     إذا اخضر منها جانب جف جانب
وما الدهر والآمال إلا فجائع     عليها وما اللذات إلا مصائب
فلا تكتحل عيناك منها بعبرة     على ذاهب منها فإنك ذاهب

وقد ذكر أبو سعد السمعاني حيص بيص هذا في " ذيله " ، وأثنى عليه ، وسمع عليه ديوانه ورسائله ، وأثنى على رسائله القاضي ابن خلكان ، وقال : كان فيه تيه وتعاظم ، ولا يتكلم إلا معربا ، وكان فقيها شافعي [ ص: 534 ] المذهب ، واشتغل بالخلاف وعلم النظر ، ثم تشاغل عن ذلك كله بالشعر ، وكان من أخبر الناس بأشعار العرب ، واختلاف لغاتهم . قال : وإنما قيل له : الحيص بيص ; لأنه رأى الناس في حركة واختلاط ، فقال : ما للناس في حيص بيص . أي في شدة وهرج ، فغلبت عليه هذه الكلمة . وكان يزعم أنه من ولد أكثم بن صيفي طبيب العرب . ولم يترك عقبا . كانت له حوالة بالحلة ، فذهب يتقاضاها ، فتوفي ببغداد في هذه السنة ، رحمه الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية