صفحة جزء
[ ص: 535 ] ثم دخلت سنة خمس وسبعين وخمسمائة

وفيها كانت وقعة مرج عيون .

استهلت هذه السنة والسلطان صلاح الدين نازل بجيشه على تل القاضي ببانياس ، ثم قصده الفرنج بجمعهم ، فنهض إليهم نهوض الأسد ، فما هو إلا أن تواجه الفريقان واصطدم الجندان ، حتى أنزل الله نصره وأعز جنده وهزم الأعداء وحده ، ففرت ألوية الصلبان ذاهبة ، وخيل الله لرقابهم راكبة ، فقتل منهم خلق كثير وجم غفير ، وأسر من ملوكهم جماعة ، وأنابوا إلى السمع والطاعة ، منهم مقدم الداوية ، ومقدم الإسبتارية وصاحب الرملة وصاحب طبرية وقسطلان يافا وآخرون من ملوكهم ، وخلق من شجعانهم وأبطالهم ، ومن فرسان القدس جماعة كثيرون قريبا من ثلاثمائة أسير من أشراف النصارى ، فصاروا يتهادون في قيودهم كأنهم سكارى وما هم بسكارى .

قال العماد الكاتب : فاستعرضهم السلطان في الليل حتى أضاء الفجر على الظلماء ، وصلى يومئذ الصبح بوضوء العشاء ، وكان السلطان جالسا ليلتئذ في [ ص: 536 ] نحو العشرين وهم في هذه العدة ، فسلمه الله تعالى منهم ، ثم أرسلهم إلى دمشق ; ليعتقلوا بقلعتها وليكونوا في كنف دولتها ، فافتدى ابن البارزاني صاحب الرملة نفسه بعد سنة بمائة ألف وخمسين ألف دينار صورية وإطلاق ألف أسير من بلاده ، فأجيب إلى ذلك ، وكذا افتدى جماعة منهم أنفسهم بأموال جزيلة وتحف جليلة ، ومنهم من مات في السجن ، فانتقل منه إلى سجين ، وهكذا يفعل الله بالكافرين . واتفق أنه في اليوم الذي ظفر فيه السلطان على الفرنج بمرج عيون ، ظهر أسطول المسلمين على بطسة للفرنج في البحر وأخرى معها فغنموا منها ألف رأس من السبي ، وعاد إلى الساحل مؤيدا منصورا ، وقد امتدح الشعراء السلطان في هذه الغزوة بمدائح كثيرة ، وكتب بذلك إلى بغداد فدقت البشائر بها فرحا وسرورا بظهور المسلمين على أعداء الله الملحدين .

وكان الملك المظفر تقي الدين عمر غائبا عن هذه الوقعة مشتغلا بما هو أعجب منها ، وذلك أن ملك الروم قلج أرسلان بعث يطلب حصن رعبان ، وزعم أن نور الدين اغتصبه منه ، وأن ولده قد أغضى له عنه ، فلم يجبه السلطان تقي الدين عمر إلى ذلك ، فبعث صاحب الروم عشرين ألف مقاتل يحاصرونه ، فأرسل السلطان تقي الدين عمر في ثمانمائة فارس منهم [ ص: 537 ] سيف الدين علي بن أحمد المشطوب ، فالتقوا بهم فهزموهم بإذن الله ، واستقرت يد الملك صلاح الدين على حصن رعبان ، وقد كان مما عوض به ابن المقدم عن بعلبك وكان تقي الدين عمر يفتخر بهذه الوقعة ، ويرى أنه قد هزم عشرين ألفا ، وقيل : ثلاثين ألفا بثمانمائة فارس . وكان السبب في ذلك أنه بيتهم وأغار عليهم وهم غارون ، فما لبثوا أمامه بل فروا منهزمين عن آخرهم ، فأكثر فيهم القتل ، واستحوذ على جميع ما تركوه في خيامهم ، ويقال : إنه كسرهم يوم كسر السلطان الفرنج بمرج عيون . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية