صفحة جزء
[ ص: 567 ] ثم دخلت سنة ثمانين وخمسمائة

في هذه السنة أرسل السلطان إلى العساكر الحلبية والجزرية والمصرية ، فقدم عليه تقي الدين عمر من مصر ومعه القاضي الفاضل ، وجاء من حلب أبو بكر العادل ، وقدمت ملوك الجزيرة وسنجار وتلك النواحي والأقطار ، وأخذها كلها مع جيشه ، فسار بها إلى الكرك فأحدقوا بها في رابع عشر جمادى الأولى ، وركب عليها المجانيق ، وكانت تسعة ، وأخذ في حصارها ; وذلك لأنه رأى أن فتحها الآن أنفع للمسلمين ، فإنهم يقطعون الطريق على الحجيج والتجار في البراري والبحار ، فبينما هو كذلك إذ بلغه أن الفرنج - لعنهم الله - قد اجتمعوا له كلهم فارسهم وراجلهم ; ليمنعوا منه الكرك فانشمر عنها وقصدهم ، فنزل على حسبان تجاههم ، ثم صار إلى ماء عين ، فانهزمت الفرنج قاصدين الكرك فأرسل وراءهم من قتل منهم مقتلة عظيمة ، وأمر السلطان الجيوش بالإغارة على السواحل ; لخلوها من المقاتلة ، فنهبت نابلس وما حولها من القرايا والرساتيق ، ثم عاد السلطان إلى دمشق فأذن للعساكر في الانصراف إلى بلدانهم الشتى ، وأمر ابن أخيه تقي الدين عمر الملك المظفر أن يعود إلى مصر بعسكره ، وكذلك أخاه العادل أن يعود إلى الشهباء ، وأقام السلطان بدمشق ; [ ص: 568 ] ليؤدي فرض الصيام ، ولتجم الخيل ويحد الحسام ، وقدمت على السلطان خلع الخليفة فلبسها ، وألبس أخاهالعادل ، وابن عمه ناصر الدين محمد بن شيركوه ، ثم خلع السلطان خلعته على ناصر الدين بن قرا أرسلان ، صاحب حصن كيفا وخرتبرت وآمد التي أطلقها له السلطان .

وفي هذه السنة مات ابن عمه صاحب ماردين وميافارقين وتلك الأعمال ، وهو قطب الدين إيلغازي بن ألبي بن تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق ، فقام في الملك بعده ولده وله من العمر عشر سنين .

وفيها مات صاحب المغرب - أيضا - يوسف بن عبد المؤمن بن علي وقام في الملك بعده ولده يعقوب .

وفي أواخر السنة بلغ السلطان صلاح الدين أن صاحب الموصل نازل إربل ، فبعث صاحبها يستصرخ بالسلطان ، فركب من فوره إليه في جنوده وعساكره ، فسار إلى بعلبك ثم إلى حمص ثم إلى حماة ، فأقام بها أياما ينتظر وصول العماد الكاتب إليه ; وذلك لأنه حصل له ضعف فأقام ببعلبك ريثما استبل من مرضه ، وقد أرسل إليه القاضي الفاضل من دمشق حكيما يقال له : أسعد بن إلياس المطران . فعالجه معالجة من طب لمن حب .

التالي السابق


الخدمات العلمية